بقلم ـ خالد عكاشة
بمجرد ظهور المشاهد الأولى والمعلومات المبدئية عن الحادث الإرهابى الذى شهدته مدينة الإسكندرية صباح السبت، أشارت أصابع الاتهام إلى التنظيمات الإرهابية التى تديرها جماعة الإخوان مباشرة، وهى غير التنظيمات الأخرى التى تتحالف معها الجماعة.
التنظيمات الإرهابية الإخوانية هى «حركة حسم، ولواء الثورة»، كلاهما أُسس بتوقيع «اللجان النوعية»، وهى التسمية الإخوانية للخلية القيادية التى خرجت مبكراً من «اعتصام رابعة» قبل الفض الأمنى، من أجل إدارة أعمال العنف المسلح ضد ثورة 30 يونيو. ترأس تلك الخلية النوعية عضو مكتب الإرشاد «محمد كمال» ابن محافظة أسيوط ورئيس مكتبها الإدارى الذى ظل يدير منه شئون جنوب الصعيد بالكامل لصالح الجماعة.
قبيل النزول الكامل لـ«كمال» للعمل تحت الأرض، ظل لفترة بدأت من نهاية عام 2013، يرأس ما أُطلق عليه «لجنة إدارة الأزمة» التى تغيّر اسمها إلى «اللجنة الإدارية العليا»، وهى اللجنة التى كانت تحاول جمع شتات وتشظى قرار الجماعة بعد الضربات الأمنية المتلاحقة التى أصابت هيكلها القيادى. هكذا ظل محمد كمال يحاول أن يسرب هذا المشهد للأجهزة الأمنية، باعتباره هو النشاط الوحيد الذى يشغله والذى تمارسه الجماعة فى هذا الفصل الحرج من عمرها التنظيمى. الواقع الفعلى كان على خلاف ذلك، فـ«اللجان النوعية» تلعب دور «التنظيم الخاص» للجماعة، وبدأت مبكراً عبر مجموعة من الوسطاء نسج خيوط التحالف مع تنظيم «أنصار بيت المقدس»، حيث كان الأخير فى ذات التوقيت يُجرى عملية توحيد للتنظيمات الإرهابية فى سيناء تحت عباءته، ويكون لهذا الاتحاد الإرهابى «مجلس شورى التنظيم». ضمن محمد كمال لنفسه وللجماعة مقعداً داخل هذا المجلس وفق تفاهمات التعاون والخدمات المتبادلة فيما بين الإخوان والإرهاب فى سيناء.
تُرجم هذا النسق من التعاون عندما أُسند لتنظيم «أنصار بيت المقدس» تنفيذ العمليات الإرهابية المسلحة فى سيناء بعناصر التنظيم المؤهلة والمدربة عبر الدعم المكثف من «حركة حماس» الإخوانية فى غزة. وفى حال التخطيط لانتقال بعض من عناصر التنظيم إلى محافظات غرب القناة تتولى «اللجان النوعية» تقديم كافة أشكال الرعاية والدعم اللوجيستى للخلايا المقبلة من سيناء كى تنفذ العمليات فى القاهرة أو الجيزة أو محافظات الدلتا. حينها نفذت عمليات إرهابية كبيرة وُصفت بـ«النوعية»، منها تفجير مديرية أمن القاهرة ونظيرتها بالدقهلية، وظهرت خلايا متقدمة على ساحة العمل القريبة من العمق، أشهرها كانت «خلية عرب شركس» التى وصلت إلى محافظة القليوبية. وظلت «اللجان النوعية» الإخوانية خلال هذا النشاط تلعب أدواراً فارقة، مثل نقل العناصر الإرهابية والسلاح والمواد المتفجرة، وتوفير الملاذات الآمنة والإيواء، وجمع التحريات وأعمال المراقبة للأهداف التى تُنفذ بحقها هجمات إرهابية.
الذى جعل هذا الفصل المبكر من التعاون يحقق نجاحاً ملحوظاً أن «أنصار بيت المقدس» فى سيناء كان لا يزال فى ذروة قوته الضاربة، فى الوقت الذى كانت فيه العناصر الإخوانية التى تقدم له الدعم اللوجيستى من نوعية غير معروفة لدى جهاز «الأمن الوطنى». كانت التكليفات تصدر من «اللجان النوعية» إلى أشخاص وعائلات إخوانية بتقديم تلك الخدمات فى درجة عالية من السرية، وبنمط جديد غير متوقع يصعب رصده أمنياً. لذلك عندما بدأت المعلومات تتوافر تباعاً لدى الأجهزة الأمنية إذا بأشخاص وأماكن غير اعتيادية تظهر فى تفاصيل العمليات الإرهابية، مثل مزارع وبيوت وسيارات، ومخازن وورش صناعية، مملوك معظمها لأعضاء بالإخوان، أو هم من قاموا بتدبيرها بصورة أو بأخرى. ظل العمل الأمنى فى تلك المرحلة يضع على رأس أولوياته تحطيم هذا التحالف المعقد، فلا توجد محافظة مصرية لا يوجد بها عناصر إخوانية، والدعم اللوجيستى هو المفتاح الأهم والأخطر فى قدرات النشاط الإرهابى. لذلك مع بدايات العام 2016 كانت القوات المسلحة قد تمكنت من تقليم قدرات «تنظيم أنصار بيت المقدس» فى سيناء، ونجحت فى إحكام السيطرة على إمكانية العبور من شرق القناة إلى غربها، فى الوقت الذى كان فيه «الأمن الوطنى» قد بدأ يشكل خريطة معلوماتية أقرب لواقع ومعطيات العمل الإخوانى السرى الذى اصطلح على تسميته «الحراك المسلح»، نظراً لبداية ضبط عناصر إخوانية بأدلة مادية «أسلحة، متفجرات» فى تشكيلات أقرب للخلايا العنقودية. وشكّل هذا إيذاناً بتحطيم التحالف الإرهابى، وإن ظلت العقول المدبرة والقيادية تبحث عن سيناريوهات بديلة.
الخطة البديلة التى وصلت إلى محمد كمال من تركيا، حيث تقبع القيادات الإخوانية الهاربة تحت رعاية مكتب الإرشاد العام لـ«التنظيم الدولى» للإخوان، هى أن تقوم «اللجان النوعية» فى مصر بتكوين «تنظيمات إرهابية» تديرها بنفسها وتعمل لحسابها مباشرة، تضم العناصر الإخوانية المؤهلة للعمل المسلح. جرى ذلك فى النصف الأول من العام 2016، وحينئذ كان محمد كمال ينشر على مواقع الإخوان الرسمية ما سُمى وقتها بيان «إبراء الذمة» الذى أعلن فيه التخلى عن كافة مناصبه الإدارية، تحت ادعاء مزيف تضليلاً لأجهزة الأمن أنه يقوم بعملية خروج وانشقاق عن القيادة التى يمثلها جناح «محمود عزت» النائب الأول للمرشد العام.
هنا جاء اكتمال نزول محمد كمال للعمل تحت الأرض، وتنفيذاً للتكليف المقبل من تركيا شكّل «حركة حسم» و«لواء الثورة». ولم تنطلِ خدعة الانشقاق على الأمن المصرى الذى كان قد وصل إلى معلومات متكاملة عن هذا السيناريو وعن قياداته بداخل مصر وخارجها، حيث كان قد بدأ رحلة بحثه عن «غرفة العمليات» التى تدير التنظيمين اللذين هما فى الأصل تنظيم واحد تتوزع بينهما الأدوار والعناصر الإخوانية. فى مداهمة أمنية ناجحة لهذا المقر جنوب القاهرة، قُتل محمد كمال وذراعه اليمنى ياسر شحاتة فى أكتوبر 2016، لكن بعد أن تمكن من وضع هياكل معقدة لكلا التنظيمين.
عما قام به الإخوان من نشاط إرهابى عبر هذين التنظيمين، وقياداته الهاربة بالخارج، ولصالح من تعمل، وكيف تحظى بالحماية، يدور حديث الأسبوع المقبل بمشيئة الله.
عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع