بقلم - خالد عكاشة
فى خطوة مفاجئة، قضى بنيامين نتنياهو يومَى الخميس والجمعة الماضيين فى مسقط، عاصمة السلطنة العمانية. الوفد المصغر لمرافقى رئيس الوزراء الإسرائيلى، فى زيارته الرسمية الأولى لضفاف الخليج العربى، غلب عليه الطابع الأمنى رفيع المستوى، حيث ضم يوسى كوهين رئيس جهاز الموساد، ومائير بن شابات مستشار الأمن القومى الإسرائيلى، وآفى بلوط المستشار العسكرى لنتنياهو، وأخيراً يوفال روتم مدير عام وزارة الخارجية.
قبل التطرق لبعض من التعليقات الرسمية هنا وهناك، قد تكشف عن مدلولات الزيارة الحقيقية، الأقرب للتصديق بعد استيعاب عنصر المفاجأة. هنالك مجموعة من الصور الرسمية التى نُشرت فى وسائل الإعلام الخبرية، ويُتصور وفق هذا السياق أنها خرجت من الجهة الرسمية العمانية، حيث يتم عادة مراجعة كافة ما تم التقاطه أثناء لقاءات الملوك والرؤساء، ومن ثم تخضع بصرامة لعملية انتقاء لأفضلها، ولأكثرها دلالة على موضوع ورمزية اللقاء. وجاءت «صور» اللقاء الذى جرى فى مسقط متوافقة مع هذا النسق البروتوكولى فى معظمها، عدا صورتين لفتتا الانتباه بشكل كبير.
كلتا الصورتين يقف فيهما السلطان العمانى ورئيس الوزراء الإسرائيلى أمام خريطة على الحائط، يشير السلطان على أشياء بعينها عليها، ويقف نتنياهو ينصت باهتمام فى إحداهما، ويشير بأصبعه مدققاً على نقطة بعينها فى صورة أخرى. ولجدارة الصورتين بالاهتمام ظهرتا على نطاق واسع، فى كافة شبكات التواصل الاجتماعى، ولعمق التساؤلات البديهية التى اقترنت بهما، تكثف الغموض أكثر حول ما يمكن أن يدور من أحاديث بين السلطان العمانى الوقور ذى الدبلوماسية الرصينة على امتداد فترة حكمه، وبين تهور وعشوائية نتنياهو، خاصة فيما له علاقة بالخرائط، التى تشهد الآن اهتزازاً حاداً فى الإقليم بأسره، لم تشهده من قبل. لذلك يظل المشهد دالاً ومعلقاً، فمن يتصور منهما أنه يطرح ويستشرف الرؤى، ومن يحسبه الآخر يملك رفاهية الإجابة على التساؤلات؟!
قبيل أيام من تلك الزيارة، صرح محمود عباس الرئيس الفلسطينى، من مسقط أيضاً، أن سلطنة عمان ليس لها مصالح خاصة، ولا تريد أن تبيع هنا وتشترى هناك، بنص كلماته قبل ساعات من وصول نتنياهو. فهل اختار أيضاً أبومازن كلمات مديحه على وقع أحاديث صفقات بيع وشراء استمع إليها فى مسقط، أم أراد أن يغمز أحدهم كعادته بتأكيد ترفع السلطنة عن المصالح. وإن كان الأمر كذلك، فالسؤال الواجب طرحه هنا سيكون عن توقيت علم الرئيس الفلسطينى بزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى لذات القصر، بعد ساعات من مغادرته. قبل ذهابه، أم أثناء زيارته التى نفى فيها البحث عن «المصالح»، والمدهش أنه قد يكون علم بها، مثل كثيرين، من وسائل الإعلام بعد مغادرته.
الأمر كما يبدو عمانى خالص، فرغم عرض السلطنة القيام بدور فى الوساطة لإعادة المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل، كما ذكرت وكالة «أسوشييتد برس» على لسان مسئول فلسطينى من مرافقى أبومازن، فإنه أكد على مجمل الزيارة بأنها تتعلق بـ«دور سلطنة عمان فى المنطقة». وحديث الدور قد يجرنا مرة أخرى إلى المصالح الحاضرة كى تخدم وتحمى هذا الدور المبتغى، والذى فى كل أحواله لن يكون بعيداً، لا عن الخرائط، ولا عن الصفقة. فوزير خارجية سلطنة عمان، بعد ساعات من الزيارتين، أكد فى المنتدى الأمنى البحرينى «حوار المنامة»، أن بلاده تعتمد على الولايات المتحدة ومساعى رئيسها دونالد ترامب، فى العمل باتجاه «صفقة القرن».
فى اتجاه آخر، الأحاديث الإسرائيلية للشخصيات الأقرب للوفد الأمنى الذى رافق نتنياهو، تتهامس عن مسار جديد جرى استطلاع جدارته لفتح حوار مع إيران، تعاود فيه مسقط لعب «الدور» الذى اضطلعت به قبلاً، فى الاتفاق النووى ما بين إيران والولايات المتحدة، تمكنت السلطنة من خلاله أن تحظى بالثقة الإيرانية، التى كانت تبادلها الرغبة فى تدشين حليف خليجى، حتى ولو على هذا المستوى من عقد الصفقات، حيث سرعان ما لحقه تعاون تجارى تنامى باضطراد بعد تمام الاتفاق. وتل أبيب، فى بحثها عن هذا المسار العمانى، تنظر للأمر باعتباره يحقق لها حزمة من العصافير، ولذلك لم تمانع من أن يضمن اللقاء بعض العناوين التى لها ارتباط بالوصول لحلول مع الفلسطينيين برام الله، وإن كانت وضعت تحفظات صارمة على الأوضاع فى غزة التى من وجهة نظرها تحتاج إلى تعاطٍ من نوع مختلف.
التوجس من أن تكون هناك «أوسلو» عمانية، قد بدأ وضعها على نار هادئة كى تنضج على مهل، وبُحث فيها ما يخص الضفة الغربية داخل غرفة الخرائط، كما بدا فى الصور المنشورة. قد يبدو مساراً لا يضير أحداً، بل على العكس قد يحقق انفراجة سياسية، لكل من أبومازن ونتنياهو، حيث يقفان عند نقطة انسداد داخلى تخص كلاً منهما على حدة، وسوياً، جرّاء تخلى الطرف الأمريكى عن الإمساك بالتوازن الهش الذى فقد اليوم صلاحيته. وتبدو السلطنة اليوم، فى حماس البدايات، حريصة على العمل بجدول متسارع، تمثَّل فى زيارة المستشار سالم العميرى، مبعوث سلطان عمان إلى رام الله، ولقائه بالرئيس أبومازن بعد يومين من زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية. سلّم المبعوث خلالها رسالة شخصية من السلطان، واقتصر الحضور فيها صحبة الرئيس الفلسطينى على جبريل الرجوب، أمين سر اللجنة المركزية لفتح.
المشاهد تتوالى بسرعة حساب الساعات، والشخصيات التى تتجهز للعب «أدوار» فى إنضاج الطبخة تدرس ملفاتها وخطواتها بدقة وجرأة. ومن يرى أنه من المهم دعوته إلى داخل غرفة الخرائط، يدق على الأبواب الموصدة بما يراه قادراً على لفت الانتباه. فللمرة الأولى، منذ سنوات، تدق صافرات الإنذار فى العاشرة من صباح السبت، فى «سديروت» والمجلس الإقليمى «شاعار هنيغيف» والمجلس الإقليمى «أشكول»، بعد تفعيل منظومة «القبة الحديدية»، فى أعقاب رشقات صواريخ «الجهاد الإسلامى»، التى وصفها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى بأنها انطلقت بموجب تعليمات سورية وإيرانية لحركة الجهاد.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع