بقلم : خالد عكاشة
مجموعة من الإعلانات المتتالية، ظلت تحتل العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام الدولية على مدار الأيام السابقة، وما زالت، تزف خبر هزيمة تنظيم «داعش»، فى آخر مساحة أرض وجد فيها على الأراضى السورية، وهى منطقة «الباغوز» بريف دير الزور الشرقى، الوسائط الإعلامية تنوعت فى النقل عن الإدارة الأمريكية ومن القياديين الأكراد فى قوات سوريا الديمقراطية، كما شاركهما العديد من الأطراف العراقية أيضاً، النظر إلى تلك الإعلانات بقدر من التشكك قد يبدو مشروعاً، فى حال العودة إلى إعلانات المحور المضاد، متمثلاً فى روسيا وسوريا، حيث أعلنا منذ شهور الانتصار على التنظيم، وسبقا الجميع فى نسب الانتصار عليه، لجهودهما المشتركة على الأرض السورية، لكن ربما لهذا حديث آخر، عندما يحين إطار البحث وتوثيق من حمل البندقية ضد «داعش» وأطلق فعلياً، ومن ساهم بشكل مؤثر فى قطع خطوط الإمداد عن القدرة على العيش على مساحات من سوريا، وقبلهما قد يكتب التاريخ المحدد الذى فيه تقرر الاستغناء عن توظيف «داعش» فى مجمل المشهد الإقليمى،
ولأن الحديث عن هذا الانتصار المعلن عنه، قد يطول ويذهب فى محاولة الإجابة عن بعض من تلك الأسئلة الشائكة، وغيرها مما يستجد وفقاً لتنامى ردات فعل التنظيم، ومسارات تحرك داعميه القدامى فيما بعد انتزاعه من الأرض، فسنكتفى فى هذه الحلقة الأولى من تلك السلسلة، باستعراض بعض الوقائع التى جرت وأرقام ذات دلالة، جميعها شهدته عشية وصبيحة الإعلان المدوى عن هزيمة تنظيم «داعش»، بعد 195 يوماً من تاريخ الإعلان عن بدء العملية العسكرية الأخيرة، التى انطلقت فى 10 سبتمبر 2018، ممتدة حتى تاريخ الإعلان الرسمى باعتبار يوم 23 مارس 2019 هو تاريخ الانتصار.
منذ مطلع ديسمبر 2018 وحتى 20 مارس من العام 2019، وثقت العديد من المراصد السورية والدولية العاملة بالمنطقة، خروج نحو (64100 شخص) من منطقة مزارع الباغوز، وهو الجيب الذى كان يوجد فيه التنظيم قبيل حصره فى المنطقة ذاتها، ضمن هذا العدد؛ ما يزيد على (8550 عنصراً) ينتمون إلى تنظيم «داعش»، الغالبية منهم تحمل الجنسية العراقية. وقد سلموا أنفسهم لقوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصاراً بـ«قسد»، كما تبين أن هناك المئات من الجثث التى تعود لأفراد عائلات عناصر التنظيم من النساء والأطفال، بالإضافة لجثث عناصر التنظيم المقاتلة، لا تزال موجودة بالمنطقة لم يتمكن أحد من إخلائها أو التصرف حيالها، وينسب لقوات التحالف الدولى أنها من قامت باستهداف هذه المجموعات، عبر القصف الجوى دون وجود على الأرض لقوات «قسد»، حيث تظل الأخيرة تخشى من أعمال انتقامية للتنظيم، التى لم تتوقف طوال شهور تلك العملية المشار إليها.
لقى ما يقارب (650 مدنياً) من سكان المنطقة مصرعهم، بينهم (200 طفل) و(160 سيدة)، أثناء عمليات القصف الجوى لتنظيم «داعش» منذ 10 سبتمبر الماضى، كما أعلنت قوات سوريا الديمقراطية عن مصرع (750 مقاتلاً) من صفوفها، فى نفس تلك المدة الزمنية، وهى أكبر نسبة خسائر بشرية تتكبدها «قسد» طوال العمليات العسكرية التى خاضتها ضد التنظيم، ويظل الرقم الأكثر بشاعة هو إعدام التنظيم لما يزيد على (700 معتقل)، ظلوا فى قبضة التنظيم قبيل البدء فى تلك العملية، ورأى أن يتخلص منهم تباعاً، كى يتخفف من عملية اعتقالهم أثناء فصول المعركة المختلفة، المناطق التى تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية اليوم، تمتد من مدينة «منبج» حتى الوصول إلى الحدود السورية العراقية، وكافة التقديرات المحلية وسط تلك البلدات والقرى الصغيرة، تؤكد أن عناصر «داعش» الموجودة بتلك المناطق على هيئة خلايا نائمة، تسللت فى وقت سابق أو دفعت من قبل الأطراف الإقليمية المشغلين لهم، تقدر ما بين (4000 - 5000 عنصر). وهذه العناصر مكلفة بالقيام بسلسلة من الاغتيالات، انتقاماً وثأراً ما زال ساخناً بحق من توعدهم التنظيم، ممن ساندوا الأكراد وقوات التحالف ضدهم، وما زالت عمليات مشابهة حاضرة فى أذهان الأهالى، وقعت خلال العام الماضى وهذا العام، ولم تحظ بالتغطية الإعلامية اللازمة، بالنظر إلى أنها وقعت بشكل متفرق، لكنها وصلت إلى ما يزيد على (250 ضحية) فقط فى عام وبضعة شهور من العام الحالى، انتقاماً من التنظيم لخسارته للنفط، وللموارد الاقتصادية فى شرق الفرات، كان ذلك يتم عبر منشورات جرى توزيعها بشكل سرى فى بلدات وقرى خاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، لتتنوع العمليات ما بين القتل بالرصاص والذبح، فضلاً عن الاختطاف وتنفيذ التفجيرات، بهدف نشر الفوضى والانفلات الأمنى ضمن مناطق سيطرة قوات «قسد». وتكبدت الأخيرة نصيبها فى عمليات اغتيال بلغت (180 عنصراً) من صفوفها، البعض منهم قادة كبار محليون كانوا مكلفين بإدارة تلك المناطق، وآخرون من قوات الأمن الداخلى المعروفة بـ«الآسايش».
ولأن المشهد كان يجرى بصورة يومية، ويتوزع عن قصد فى العديد من المناطق، بالصورة التى خلفت ذعراً هائلاً بين سكان تلك المناطق والعاملين فيها، خاصة بين صفوف العاملين فى المجال النفطى والمسئولين فى الجهات الخدمية، ما دفع أيضاً المئات من المتطوعين فى صفوف قوات الدفاع الذاتى، التى تشكلت من قوات مجندة إجبارياً ومن إداريين متطوعين فى صفوفها، إلى فسخ عقودهم والفرار من العمل فى صفوف «قسد»، خشية الانتقام منهم من قبل الخلايا النائمة التابعة لـ«داعش»، حيث أسند لتلك الخلايا مهمة خلخلة الصفوف الخلفية لقوات سوريا الديمقراطية، من خلال تنفيذ هجمات تزامناً مع هجمات للتنظيم فى جيبه الأخير بشرق الفرات، وفى هذا الأمر ستظل الأهداف النفطية والعاملون فيها، هى الهدف الرئيسى للتنظيم كما أعلن بنفسه فى المنشورات التى تم توزيعها طوال وقت المعارك المحتدمة.
مشهد الخلايا النائمة ربما سيظل الأكثر إثارة ومدعاة للقلق، لكن هناك فى طيات الإعلان عن الانتصار على «داعش»، العديد من الزوايا الأخرى التى تستوجب الوقوف أمامها.. فى المقال المقبل بإذن الله.