توقيت القاهرة المحلي 19:40:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المبادرة المصرية من أجل ليبيا.. محفزات ومتطلبات (2)

  مصر اليوم -

المبادرة المصرية من أجل ليبيا محفزات ومتطلبات 2

بقلم: خالد عكاشة

بالعودة إلى الأسس الرئيسية للمبادرة المصرية من أجل ليبيا، نجدنا أمام خمسة اتجاهات رئيسية، الأول العدالة فى توزيع موارد الدولة على كافة مناطق وربوع ليبيا، بالقدر الذى يحقق مساواة حقيقية فى الإنفاق وسد الاحتياجات، وفق آليات شفافة فى التقييم والتخصيص السنوى. الاتجاه الثانى هو ضرورة توحيد مؤسسات الدولة، والنظر إلى تلك الفريضة الغائبة باعتبارها مهمة أولية يمكنها أن تشكل سياجاً جامعاً لتنفيذ أية خطوات مستقبلية، فالازدواج على مستوى السلطات التنفيذية يضرب خطط بناء الدولة فى مقتل، ويزيد من حدّة الصراعات البينية، بل ويساهم تلقائياً فى صناعتها. الثالث هو حل الميليشيات ونزع سلاحها غير الشرعى ومكافحة الإرهاب، وفق المفهوم الأمنى المباشر، مما يستلزم الاعتراف والتوصيف القانونى من قبَل كافة الأطراف داخل ليبيا عمن يخضع لتلك التسمية أو من له انخراط فعلى فى هذا النشاط المجرّم. وهى خطوة بالغة التعقيد، لذلك جاءت المبادرة المصرية، لتضع الاستعانة بالبعثة الأممية فى هذا الاتجاه، من الإشارات الواقعية التى يمكن أن تساعد بشكل إيجابى.

الاتجاه الرابع يشير إلى منع التدخلات الخارجية فى الشأن الليبى، على اعتبار أن ملفاً على هذا القدر من السخونة والتعقيد، عادة ما تأتى التدخلات الخارجية لتعمق من احتقان المشهد فيه، بطبيعة بحث تلك الأطراف الخارجية عن مصالحها وعن تمكين حلفائها الليبيين من الإمساك بخيوط ومكاسب أوزانها النسبية وسط فرقاء، فى معادلة النفوذ والقدرة بداخل الدولة. الخامس والأخير هو الاعتماد على مجلس النواب الليبى المنتخب كقوة تشريعية وحيدة، باعتبار أنه قائم وما زال يمارس مهامه التى يحظى من خلالها باعتراف إقليمى ودولى، ويتمتع بنقطة قوة ربما لا تتوافر لدى بقية الفرقاء، أنه يمثل كافة المكونات الليبية الجهوية والقبائلية، فضلاً عن التنوع الكبير فى الانتماءات السياسية والخلفيات المهنية. وتعظيم دوره ووضعه كمرجعية محورية فى المبادرة المصرية جاء ربما بعد اجتماعات القاهرة التى جرت الشهر الماضى، والتى أبرزت تلك الميزات التى يمكن البناء عليها، وجمع الأطراف على هذا المربع الشرعى القادر على احتواء وجهات النظر المختلفة. يبقى وضع التعاون مع الأمم المتحدة، ممثلة فى البعثة الأممية، كمشارك فعال ومرجعية للعديد من المهام والاتجاهات السالف ذكرها، وهى نقطة تبدو فى هذه الوضعية مما يمكن اعتباره نزعاً لأية مخاوف لدى أطراف من هنا أو هناك أن يفضى العمل على المبادرة إلى استئثار جانب بعينه بصياغة الحلول أو مسارات الطريق الممكن، فالأمم المتحدة، ممثلة فى مبعوثها وبعثتها الإنسانية، يمكن -عبر العمل الدؤوب وتوفير البيئة الصحية- أن تمثل ضامناً مقبولاً من الكافة، وأن تساهم بفاعلية فى الوصول إلى المستهدف من المبادرة المصرية، ومن ثم مصالح الشعب والدولة الليبية.

بعد طرح المبادرة المصرية، كان من المنطقى أن تبرز مجموعة من التحديات والقيود على الحركة وفق ما جرى طرحه بايجاز. أبرز تلك القيود الواجب تفكيكها لإفساح المجال للمناخ السياسى محل الثقة، الذى يستهدف صياغة مشهد جديد، رفض قوى غرب ليبيا «طرابلس ومن تمثلهم» للمبادرة المصرية، حيث تصنف مكونات هذا المحور القاهرة ضمن أطراف النزاع، أو فى أبسط تقدير أن دورها يندرج تحت مفهوم «التدخلات الخارجية». وهى تقديرات، غير أنها مغايرة كلياً للواقع، تحتاج إلى مراجعة عاجلة، يقوم بها الأطراف الفاعلة فى هذا المحور، على خلفية وقائع سنوات الصراع الداخلى بليبيا منذ العام 2012، فلم تتورط مصر، طوال تلك الفترة، بالرغم من العديد من تقلباتها، بما يشكّل تهديداً أو خصماً بأى صورة من الصور من المصالح الليبية. ناهيك عن بعض المحطات التى شهدتها تلك الفترة، والتى لم تكن على هوى القاهرة بصورة أو بأخرى، وتتحفظ على الكثير مما آلت إليه الأمور فيها، إلا أنها تغاضت عن ذلك فى سبيل الوصول إلى قدر من تبريد ساحة الصراع الداخلى بليبيا، من أجل الوصول إلى نقطة منتصف ما بين فرقاء. وكلا الهدفين هما من صميم المصالح المصرية المعلنة التى تتماس إيجاباً مع المصالح الليبية، إلا أن تكون قد قدمت دعماً سياسياً ومعنوياً ودولياً للجيش الوطنى الليبى فى مهمة «الحرب على الإرهاب»، وهو دعم غير خفى كما تحاول أطراف محور غرب ليبيا تصويره، بل هو انخراط مشروع ترى القاهرة أن كل من يستهدف مصلحة ليبيا عليه أن يدعمه فى هزيمة «الإرهاب» رغم قيود القرارات الدولية الجائرة بحق تزويده بالأسلحة اللازمة لخوض معركة معقدة وشرسة على هذا القدر من الخطورة.

وقد قامت مصر فى هذا المضمار ببذل جهد سياسى وفنى إضافى فى إطار «توحيد» المؤسسة العسكرية، لإفساح المجال أمام إدماج الضباط المنتمين إلى الغرب الليبى للدخول فى منظومة هيكل جامع، لكن الانقسام الحاد فى المواقف الداخلية جعل الحديث عن هذا الجهد وتطويره من المؤجلات التى كرستها أحداث «معركة طرابلس». وهذا يأخذنا إلى القيد الثانى المتمثل فى «اتفاق الصخيرات» الذى ينظر إليه العديد من الأطراف الليبية، على رأسهم البرلمان، على أنه قد فقد فاعليته ومبرره، لا سيما وهو الاتفاق الذى رسخ للانقسام الليبى الحالى، بالنظر إلى الكيانات الهشة التى لم تثبت فاعلية على الأرض، وكرس لحالة ازدواجية الصلاحيات التى قيّدت القدرة على الخروج بحلول حقيقية للمشكلات. ولذلك هذه المرجعية تحتاج إلى إعادة نظر حقيقية، وتطويرها بما يخدم البحث عن مفهوم «التوحيد»، الذى يمكنه صناعة الفارق فى مشهد التعاطى مع التحديات الداخلية.

يبقى التحدى الأخير، الذى له ارتباط وعلاقة وثيقة بعملية الاستئثار بالقرار، متمثلاً فى الصمت الإقليمى والدولى فى التعاطى مع المبادرة المصرية، رغم أن معظم بنودها تقريباً محل اتفاق داخلى وخارجى، وهذا تنازع مكتوم حول من يمسك بمقود الحركة، رغم أن الأزمة بتعقيداتها يلزمها تضافر الجميع والتعاون مع من لديه الرؤية والقدرة على إنفاذ الحل. وهذا سنتناوله فى الأسبوع المقبل بإذن الله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المبادرة المصرية من أجل ليبيا محفزات ومتطلبات 2 المبادرة المصرية من أجل ليبيا محفزات ومتطلبات 2



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها
  مصر اليوم - ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها

GMT 15:58 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين الجسمي يحتفي بيوم العلم الإماراتي

GMT 09:04 2024 الأحد ,27 تشرين الأول / أكتوبر

فولكس واغن تعيد إحياء علامة الأوف رود الأميركية "سكاوت"

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 10:40 2024 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

هيدي كرم تتحدث عن صعوبة تربية الأبناء

GMT 04:30 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

قائمة الفائزين بـ"جوائز الكرة الذهبية" 2024

GMT 07:31 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

نوريس يفوز بجائزة ميامي لسباقات فورمولا 1
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon