بقلم - خديجة حمودة
يحتاج تاريخنا وحاضرنا وربما المستقبل إلى أحد المتخصصين فى مجال ترميم الآثار الفرعونية القديمة، ولا مانع من الاستعانة بالعالم المصرى زاهى حواس، والاستفادة من خبراته، ليجمع لنا ويشكل بكل حواسه ونظراته الثاقبة الفاحصة وتوقعاته الصحيحة طاقماً من المرمّمين الدوليين الفرنسيين والإنجليز، لنصل إلى حل لتلك القضية المثيرة المخيفة المحزنة، التى قضت على الكثير من أيامنا وليالينا ومعها مشاعر وأحاسيس من الصعب تعويضها أو استبدالها، فعندما تتحول المعانى والكلمات من اللغة الأم (لغة الضاد)، ومعها اللغة الأولى المعتمدَة فى المحافل الدولية والمؤسسات العالمية، والثانية والثالثة، إلى تلك الأحرف والأرقام المنطوقة والمكتوبة باللالغة، وعندما تتفتت المشاعر وتتدمر قصص الحب وتتمزق جميع العلاقات الإنسانية بلا تردد بحثاً عن المكاسب والمقاعد وصور الافتتاحات المتكرّرة والهتافات الباردة والابتسامات المرسومة والحسابات البنكية السرية وتعلو الأسوار الأسمنتية، لتفتت المجتمع وتقسمه إلى فئات ممسوخة بلا ملامح أو أصول وتصبح الصور التى يلتقطها القمر الصناعى لمدينتنا علباً أسمنتية تشبه تلك الصناديق التى تضم أعواد الثقاب المتراصة بشكل سيئ مرعب يشير إلى قسوة الكارثة إن حدثت، ويؤكد أنها ستلتهم الجميع بلا رحمة ولا تردّد أو تفكير، فلا بد أن نعلم أن هناك لافتات تحذير وأضواء حمراء ورنين أجراس يعلو ويكاد يصم الآذان يشكلون حولنا دائرة تضيق وتضيق وتكاد تفتك بنا وتحولنا إلى بقايا وشظايا قد لا نجد من يجمعها أو يرممها.
أما إذا بحثنا عن طريقنا الذى اعتدنا السير فيه عمرنا كله ونحن نتعلم كيف نحفظ توازننا ونستند إلى الجدار، ثم ونحن نمسك بالأيدى الحميمة ونستبدلها بعد فترة بالأيدى الصديقة الباحثة عن حب من نوع جديد، ثم الأصابع التى تعانق بعضها البعض وتهمس وتحكى، وعلاماته الإرشادية، فلم نجده أو نجدها، وإذا أحسسنا بتلوث بصرى يلفنا ويكاد يطبق على أنفاسنا من قسوة ما يحتويه من مشاهد لاإنسانية عنيفة كريهة تنطق بالأنانية والبحث عن الذات فوق الأجساد المنهكة والرؤوس المحطمة والدماء التى تجمدت وفاحت منها رائحة الموت، فلنتأكد أننا فى أزمة ولا بد من البحث عن مخرج سريع.
وفى كتب التاريخ القديم والآثار والموسوعات العلمية التى تؤرخ لعمليات الترميمات بأحرف خالدة لن يمحوها الزمن، أكد الباحثون والعلماء أن عملية الترميم هى عملية تقنية فنية دقيقة ومتخصّصة للغاية، يتم من خلالها الحفاظ على الإرث التاريخى والثقافى من خلال إعادة المواد الأثرية إلى حالتها الأقرب إلى طبيعتها، بهدف إطالة عمر الأثر والحفاظ عليه، كما أنه نشاط مهنى متخصّص بتعزيز دوام المعالم الثقافية والفنية، وذلك عن طريق حمايتها وإنقاذها من قبل المرقمين واحترام أهميتها التاريخية والاجتماعية، كما اتفق هؤلاء على أن ترميم وصيانة الآثار والمبانى من العمليات المهمة التى عرفت على مدار التاريخ، ولا بد أن نسأل ونكرر وأن يعلو صوتنا حتى نلفت أنظارهم ونشد انتباههم وندفعهم للتفكير والتعمق فى قضيتنا (وماذا عن ترميم القلوب والإنسان وجمع بقاياه وشظاياه التى تناثرت فى الهواء وعلى الأرض وداستها الأقدام والسيارات والدواب وكل ما يسير فوق الطريق أو يحلق فى الهواء؟). كما أنه لا بد أن نوضح ونؤكد ونكرر لهم أن الترميم ذُكر فى الدراسات البحثية بأنه لا يعنى التجديد أو التجميل، بل هو الحفاظ على الأثر وقيمته الفنية والتاريخية والحضارية، بحيث لا ينقص أو يغير من طبيعته أو من طرازه المعمارى، كما أنه يحافظ على الأجزاء الأصلية بشتى الطرق ويجعل التمييز بينها وبين أى جزء مضاف أو مكمل لها واضحاً وصريحاً. فهل سنجد من يطبّق قانون الحفاظ على الآثار ويضيف إليه بنداً صريحاً للحفاظ على إنسانيتنا وقلوبنا؟