بقلم - خديجة حمودة
تبدأ قصصنا الجميلة وتنمو وتتحول فى بعض مراحلها إلى حلم رومانسى وصور ملونة وورود وشموع ورسائل مبهجة لتتغير أحياناً وتتبدل لألوان داكنة وصور مهزوزة وأشباح وكوابيس، وسرعان ما نبذل الجهود والمحاولات ونبحث عن الوسطاء والأصدقاء ليقيموا لنا جلسات التقارب والتصافى وإعادة الحنين وليذكرونا بأول لقاء وبأن القصة بدأت (بكلمة ونظرة عين)كما غنت أم كلثوم، وتوالت فصولها وأجزاؤها كما رسم وتصور الشعراء الذين ذابوا عشقاً وحنيناً. وفى إحدى المراحل والفصول السعيدة نغنى معاً: (هذه الدنيا كتاب أنت فيها الفكر)، ونؤكد للآخر أن الصباح يبدأ به والليل ينتهى بصورته، لنفتح عيوننا على الحقيقة فيكون صباح التشابه والانسجام والحب المرسوم على الملامح، الذى يمنحنا سمات مشتركة وعيوناً مندهشة وشفاهاً مبتسمة ووجنات بلون أوراق الورد وأنفاساً معطرة بروائح العنبر والمسك وأيادى ناعمة الملمس رقيقة اللمسات تدهشنا حتى نتساءل: هل تتشابه البصمات على أجسادنا وتسجل مشاعرنا وفرحتنا؟
ونعيش جميعنا قصصنا الجميلة بين الصفحات اليومية ونجد أنها تتحدث عنا ونترجم عناوينها بأحداث سعيدة عشناها وذكريات باليوم والتاريخ والتوقيت بالساعة والدقيقة واللحظات الضائعة التى نجمعها فى عملية حسابية معقدة لنطالب بها كلما هاجمنا الحنين ونفد وقت اللقاء، وتعلو ضحكاتنا وتتحول إلى ضوضاء تصل إلى السماء ويكتشفها رواد الفضاء داخل مركباتهم وتسجلها أجهزتهم الدقيقة فيسألون محطاتهم الأرضية عن أصحاب هذه الإشارات التى تقلق وتثير معداتهم وتخترق القشرة الأرضية، ونتوارى خجلاً عندما نخضع لأجهزة الأشعة الملونة فيرى الفنيون المتخصصون صورة الحبيب جالساً بكل أريحية وهدوء محتلاً القلب وما يضمه، ويزداد الخجل عندما تظهر نتائج عينة الدم لتحديد الفصيلة، فيكتشف الأطباء أنها نادرة وجديدة وخليط من فصيلتين متشابكتين بينهما اتحاد كيميائى يحدث لأول مرة، فيسجل فى موسوعة جينيس ويعرض فى الندوات الطبية ليتبنى أحد العمالقة فى عالم الطب دراسته والبحث عن مصدره ويوصى بأن يعرض على الجامعات العالمية المتخصصة. وفى بعض الصفحات تواجهنا مباريات التحدى والبحث عن النتائج والمنافسة والرغبة الشديدة فى الاستحواذ والغيرة فيصل المنتصر منا إلى أعلى درجات النشوة القاسية العنيفة ويعانى الآخر من هزيمة المحبين وما أقساها عندما يتمنى أن يزول العالم من حوله بما يحويه من بشر وأصدقاء وأماكن وذكريات وأوراق وصور ليتحول إلى خزانة حديدية تغلق عليه وعلى الحكاية حتى لا يعرف أحد أنه هزم وفقد وسرقت منه فرحته وليله وصباحه وصور الحبيب الذى يطربه سماعه ونداؤه ودلاله وهمساته.
فهو يخفى عن الجميع أن هناك من اتخذ القرار منفرداً ونوى الرحيل وذهب وقسا وآلمه بالنظرات والكلمات وأغلق العيون تماماً مباشرة هرباً من لقاء يعيد له الحنين أو نظرة عتاب تهمس للقلب، واكتشف أنه لم يكن فكر الكتاب بل هو الصفحة قبل الأخيرة، بلا أهمية أو مضمون وقد ينساها الناشر وصاحب الإيداع بعد الطبع فيمزقها ويلقى بها فى سلة المهملات غير نادم أو قلق من أن يسأل عليها أحد.
ورغم كل هذه الاعترافات، فإن من المؤكد أن للقصة بقية.