بقلم - خديجة حمودة
من أجمل الأسماء ذات المعنى والمغزى والوصف البارع للحبيب، والصفة التى تميز أصحاب السلوك المحير الجاذب المشوق أن يكون من أهل الدلال وما أدراك من هم، وكيف يؤثرون، وكيف يتهادون وسط الجميع ويتحدثون فيشدون الأنظار ويستولون على الاهتمام وعلى النظرات والهمسات وإشارات الإعجاب والتمنى، فلديهم قدرات عالية وهبتها لهم الأقدار والسماء.
وإذا ساقت لك الأيام حبيباً من هذه العائلة فسيبتسم فى وجهك مرحباً مهللاً سعيداً ولكن دون أن ترى أياً من كل هذه الصفات أو العلامات على وجهه، كما أنه لن يسمح لك بقراءة أو فهم لغة عيونه.
ومن منا يستطيع أن يحتفظ بأشواقه وأمنياته ورغباته وأحلامه دون إفصاح إلا هؤلاء، فدائماً قلوبهم وعقولهم يسكنها الآخر فى سرية كاملة وانتظار وصمت يزيدهم بهاءً وغموضاً، ويتمنى من يراهم لو كانت لديه قدرات العرّافين والمنجمين وقارئى الطالع، ليعرف ماذا يُخفون.
وقد أثار الدلال اهتمام الشعراء منذ عصر الجاهلية وما زال حتى الآن، ولم يقتصر الأمر على شعراء العرب فقط، بل العالم كله، فاستخدمت الكلمة، ومعناها والصفة منها والاسم والمفعول به فى الحكم والأمثال الشعبية، فقد عرفه اللغويون فى معاجم اللغة ونسبوه إلى المرأة ودلالها، ولعل أبرز الأمثال الشعبية الذى يعود أصله إلى الولايات المتحدة الأمريكية ما هو إلا جملة قالتها السيدة الأولى (ليدى بيرد) إذ أشارت إلى أن المرأة منظر جميل يبهر كل من يلقى النظر إليه، فى إشارة منها إلى جميع نساء العالم، حيث قالت (أنت طلة جميلة تبهر الناظرين) (you are a beautiful look that dazzles the onlookers)، واستمر استخدام كلماتها حتى الآن.
وفى شرح وتوضيح جميع المعانى التى تحملها داخلها تلك الكلمة «دلال» وتترجمها لسلوك وتصرفات ناعمة رقيقة تشد المحيطين، قال الأديب والصحفى السورى «عدنان الكاتب» (٢٠ سنة بنكبر ونكمل)، وذلك فى وصفه دلال المرأة وسط أسرتها ومع زوجها، حيث أشار بكلماته إلى المحتوى الضمنى لما تعيشه عمرها كله بمراحله المختلفة تدلل زوجها وتصبغ حياتها بكل ما هو جميل حتى آخر العمر.
وبطبيعة الحال تكررت هذه الكلمة ومعانيها فى الكثير من أبيات الشعر العربى القديم، فكتب عنترة بن شداد الذى اشتهر بأنه أفصح شعراء العشق والفروسية فى عصره قصيدة «دلال المنايا».
أما «جرير بن كليب»، والمعروف عنه بأنه أشهر شعراء العرب فى فن الهجاء والغزل، والذى وُلد فى قبيلة نجد، فقد اعترف وأكد وصرح ببلاغة شديدة الجمال عن صفات حبيبته عندما قال «إن كان شأنكم الدلال فإنه حسن دلالك يا أميم جميل».
ويبدو أن أهل الدلال احتلوا جزءاً كبيراً من اهتمام المفكرين وأهل الفن والشعر، ووصلت سطوتهم إلى علماء النفس والاجتماع الذين أشاروا فى أوراقهم وملاحظاتهم إلى أن الدلال سلوك نفسى واتجاه إلى الاعتزاز بالنفس وتقديرها واحترامها فى التعامل مع الآخرين والمحيطين، مما يدفع الجميع للحرص فى التعامل مع أصحابه والإعجاب بهم، وشدّدوا على أهميته بالنسبة للصغار، حيث يخلق منهم شخصيات واثقة قوية نفسياً وقادرة على الاندماج فى المجتمع وكسب الآخرين. وجاءت من بين التعليقات وأجملها «النفس تميل لمن يدللها فدللت نفسى كى لا تميل».