بقلم - خديجة حمودة
عندما نلتقى فى طريقنا بأعداء الحب والحياة فى أى منعطف أو استراحة أو سباق أو تجربة فإن خسائرنا تكون فادحة ونعانى لفترات طويلة ونفقد الحماس والرغبة لأن هؤلاء لا يعترفون بأجمل وأنقى المشاعر، ولا يتأثرون باللفتات الناعمة والكلمات الساحبة ولا يفكرون فى معنى أصوات الطيور الصغيرة ولا نداء العندليب لحبيبته أو رائحة زهرة الياسمين فى الصباح الباكر، فلديهم حسابات ومعادلات خاصة جداً تعتمد على الأرقام وعلامات القسمة والضرب والجمع والطرح.
وعندما استمعنا لكلمات نزار قبانى فى رسالته للحبيب: (علمنى كيف يموت الحب وتنتحر الأشواق)، استحوذت علينا ودفعتنا لأن نتأمل ونتذوق ونفكر ونحب ونعشق اللوعة فى صوت عبدالحليم حافظ، فقد خرجنا للحياة فوجدناه يحلم ويغنى ويتمنى ويفرح ويحزن ويشكو وتتحدث عيناه ونظراته وجسده ويداه وكل خلجاته وتحكى قصة الحياة والأيام والقدر والنصيب وفرحة تحقيق الهدف والوصول للقمة وحسرة انتظار الوداع والحرمان بكلمات وألحان تعيش بيننا حتى الآن، وقد أصابتنا الدهشة من هذا التشبيه البديع الموجز الشارح الواضح الواصف لما تحدثه فى القلوب تلك الصدمات والانسحابات والتقلبات والحرمان من حضن الحبيب ولمسات يده على الوجنات تدلل وتربت وكأنها تمنحه قبلة الحياة، تعلمنا من تلك الجملة العبقرية أن هناك لحظات تدفع القلوب للتخلص من سكانها بأى وسيلة وبأسرع طريق دون أى ندم أو حسرة أو تراجع وكأنها لم ترهم من قبل ولم تعرفهم ولم تألف صوتهم، ويشير آخر الأبحاث فى علم النفس والاجتماع إلى أن الحب موجود داخل عقل الإنسان وليس فى قلبه كما كان يعتقد الكثير، وقد أكد العلماء أن كل إنسان له خريطة خاصة به موجودة داخل دماغه تساعد على اختيار الشخص المناسب له للارتباط به.
وأوضحوا أن تلك الخريطة حسب نسيجها عبارة عن مجموعة من الصفات التى يرغب الإنسان فى وجودها لدى الشخص المثالى الذى يطمع فى الارتباط به أو ما نطلق عليه فتى أو فتاة الأحلام، وعندما يلتقى أحدنا بالشخص الذى تنطبق عليه الشروط والمواصفات الخاصة جداً يقوم الجسم بإفراز مادة كيميائية تبعث على الشعور بالفرح كما يفرز هرمونات تعدل المزاج وتشعر الإنسان بالسعادة ويفرز الجسم مادة الأدرينالين التى تسبب احمرار الوجه وعرق اليدين وسرعة التنفس وضربات القلب التى سرعان ما تختفى كل هذه الأعراض مع اختفاء الشخص من محيط الحبيب فيصاب بعدها بالإرهاق والاكتئاب.
وفى بحث أجراه (ويليام روبينسون) فى علم الاجتماع أكد أنه عندما يصل الحب إلى نهاية عمره الافتراضى يصبح ضوءاً خافتاً وقد يتطلب وقتاً طويلاً حتى يدرك طرفاه علامة الحب. وأكدت الدراسة أن كيمياء المخ المسيطرة على عملية الحب تظل تولد شحنات حب وطاقة وعواطف لمدة ثم تتوقف تلك الشحنات وكأنها بطارية فرغت ولا يمكن إطلاقاً إعادة شحنها ثم تتحول العلاقة القائمة على الحب إلى علاقة دفء وإخلاص. وفى حياة كل منا محطات تختلف فيها خريطة الأحبة التى ترسم ملامحهم؛ فهناك ملامح هى من بين أقدارنا التى لا تتغير ولا يمكن تبديلها وتلازمنا حتى آخر العمر ولا نتدخل فى تشكيلها، ومثل هؤلاء يصعب ع تنتحر أشواقنا إليهم أو يموت الحب الذى يجمعنا، فهم أبطال الحكم والأمثال والأغانى وأبيات الشعر التى كتبت عن الشوق، فعنهم قال أمل دنقل: (وفى أثير الشوق كدت أن أصير ذبذبة)، أما فاروق جويدة فوصفه بإتقان ودقة بالغة حين قال: (يكاد الشوق يقتلها ولا تنطق، فإن باحت فيا ويلى وإن سكتت تصير مشاكلى أعمق)، وعنه كتب يوسف عصوب: (لذاتنا فى الشوق لا فى الوصال)، وقال جبران خليل جبران: (مؤلم أن تتصنع الابتعاد وأنت من الشوق تكاد تنفجر)، ولأحبتى أقول أنا، بعد كل هؤلاء العمالقة، إن انتحار الأشواق هو انتحار الشخص نفسه، فلنفكر جيداً قبل أن نتخذ القرار، وليحفظ الله لنا أحبتنا وأشواقنا إليهم.