توقيت القاهرة المحلي 20:18:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

انتحار الأشواق

  مصر اليوم -

انتحار الأشواق

بقلم - خديجة حمودة

عندما نلتقى فى طريقنا بأعداء الحب والحياة فى أى منعطف أو استراحة أو سباق أو تجربة فإن خسائرنا تكون فادحة ونعانى لفترات طويلة ونفقد الحماس والرغبة لأن هؤلاء لا يعترفون بأجمل وأنقى المشاعر، ولا يتأثرون باللفتات الناعمة والكلمات الساحبة ولا يفكرون فى معنى أصوات الطيور الصغيرة ولا نداء العندليب لحبيبته أو رائحة زهرة الياسمين فى الصباح الباكر، فلديهم حسابات ومعادلات خاصة جداً تعتمد على الأرقام وعلامات القسمة والضرب والجمع والطرح.

وعندما استمعنا لكلمات نزار قبانى فى رسالته للحبيب: (علمنى كيف يموت الحب وتنتحر الأشواق)، استحوذت علينا ودفعتنا لأن نتأمل ونتذوق ونفكر ونحب ونعشق اللوعة فى صوت عبدالحليم حافظ، فقد خرجنا للحياة فوجدناه يحلم ويغنى ويتمنى ويفرح ويحزن ويشكو وتتحدث عيناه ونظراته وجسده ويداه وكل خلجاته وتحكى قصة الحياة والأيام والقدر والنصيب وفرحة تحقيق الهدف والوصول للقمة وحسرة انتظار الوداع والحرمان بكلمات وألحان تعيش بيننا حتى الآن، وقد أصابتنا الدهشة من هذا التشبيه البديع الموجز الشارح الواضح الواصف لما تحدثه فى القلوب تلك الصدمات والانسحابات والتقلبات والحرمان من حضن الحبيب ولمسات يده على الوجنات تدلل وتربت وكأنها تمنحه قبلة الحياة، تعلمنا من تلك الجملة العبقرية أن هناك لحظات تدفع القلوب للتخلص من سكانها بأى وسيلة وبأسرع طريق دون أى ندم أو حسرة أو تراجع وكأنها لم ترهم من قبل ولم تعرفهم ولم تألف صوتهم، ويشير آخر الأبحاث فى علم النفس والاجتماع إلى أن الحب موجود داخل عقل الإنسان وليس فى قلبه كما كان يعتقد الكثير، وقد أكد العلماء أن كل إنسان له خريطة خاصة به موجودة داخل دماغه تساعد على اختيار الشخص المناسب له للارتباط به.

وأوضحوا أن تلك الخريطة حسب نسيجها عبارة عن مجموعة من الصفات التى يرغب الإنسان فى وجودها لدى الشخص المثالى الذى يطمع فى الارتباط به أو ما نطلق عليه فتى أو فتاة الأحلام، وعندما يلتقى أحدنا بالشخص الذى تنطبق عليه الشروط والمواصفات الخاصة جداً يقوم الجسم بإفراز مادة كيميائية تبعث على الشعور بالفرح كما يفرز هرمونات تعدل المزاج وتشعر الإنسان بالسعادة ويفرز الجسم مادة الأدرينالين التى تسبب احمرار الوجه وعرق اليدين وسرعة التنفس وضربات القلب التى سرعان ما تختفى كل هذه الأعراض مع اختفاء الشخص من محيط الحبيب فيصاب بعدها بالإرهاق والاكتئاب.

وفى بحث أجراه (ويليام روبينسون) فى علم الاجتماع أكد أنه عندما يصل الحب إلى نهاية عمره الافتراضى يصبح ضوءاً خافتاً وقد يتطلب وقتاً طويلاً حتى يدرك طرفاه علامة الحب. وأكدت الدراسة أن كيمياء المخ المسيطرة على عملية الحب تظل تولد شحنات حب وطاقة وعواطف لمدة ثم تتوقف تلك الشحنات وكأنها بطارية فرغت ولا يمكن إطلاقاً إعادة شحنها ثم تتحول العلاقة القائمة على الحب إلى علاقة دفء وإخلاص. وفى حياة كل منا محطات تختلف فيها خريطة الأحبة التى ترسم ملامحهم؛ فهناك ملامح هى من بين أقدارنا التى لا تتغير ولا يمكن تبديلها وتلازمنا حتى آخر العمر ولا نتدخل فى تشكيلها، ومثل هؤلاء يصعب ع تنتحر أشواقنا إليهم أو يموت الحب الذى يجمعنا، فهم أبطال الحكم والأمثال والأغانى وأبيات الشعر التى كتبت عن الشوق، فعنهم قال أمل دنقل: (وفى أثير الشوق كدت أن أصير ذبذبة)، أما فاروق جويدة فوصفه بإتقان ودقة بالغة حين قال: (يكاد الشوق يقتلها ولا تنطق، فإن باحت فيا ويلى وإن سكتت تصير مشاكلى أعمق)، وعنه كتب يوسف عصوب: (لذاتنا فى الشوق لا فى الوصال)، وقال جبران خليل جبران: (مؤلم أن تتصنع الابتعاد وأنت من الشوق تكاد تنفجر)، ولأحبتى أقول أنا، بعد كل هؤلاء العمالقة، إن انتحار الأشواق هو انتحار الشخص نفسه، فلنفكر جيداً قبل أن نتخذ القرار، وليحفظ الله لنا أحبتنا وأشواقنا إليهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتحار الأشواق انتحار الأشواق



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 13:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 12:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تحصد 31 ميدالية متنوعة مع ختام بطولتي الرماية

GMT 13:55 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الهلال يستضيف الزمالك في ليلة السوبر السعودي المصري

GMT 06:08 2024 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

عطور نسائية تحتوي على العود

GMT 08:19 2022 الأحد ,25 كانون الأول / ديسمبر

أزمة الطاقة وسيناريوهات المستقبل

GMT 19:18 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الطرق الصحيحة لتنظيف الأثاث الجلد

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon