بقلم - خديجة حمودة
بعيداً عن عالم الأطباء وكتبهم وموسوعاتهم العلمية وأوراقها الثقيلة اللامعة وصورها الملونة الدقيقة المرسومة بمقاييس عالمية تعلمنا من أحاديث العجائز وأمثالهم الشعبية ونوادرهم أن كلاً منا يحمل داخل صدره قلباً بحجم كف يده المغلقة، وأن هذا الجزء الدقيق ينمو معنا ويكبر، حاملاً داخله الأحبة والأعزاء والفرز الأول من البشر الذين يعبرون حياتنا ويتركون بصماتهم وآثارهم وملامحهم محفورة داخل هذا الجزء الذى يشبه كف اليد ومهما زاد عددهم وبلغ حجمه واصطحبوا معهم مدناً ومنازل وأماكن عمل ودراسة وحياة تحمل المعزة نفسها، فإن لكل منهم مكاناً محدداً لا يغادره أبداً ولا يتحرك منه، أو ينسحب أو يتزحزح، وقد تدفعه الأيام إلى التوارى خلف آخر ربما خجلاً أو إرهاقاً من مواقف حياتية مشتركة سبّبت له ألماً، إلا أنه لا يغادره أبداً.
وعندما تمر بنا الأيام والسنون والتجارب السعيدة منها بطعم حلوى الأطفال اللذيذة التى تذوب فى الفم، تاركة مذاقاً لا يُنسى ولا يُمحى لفترة طويلة، والحزين أيضاً بدموعه وآهاته، فإننا نحتفظ بكل قصة حب وصورها وذكرياتها وهداياها وأوراقها وعطورها وأغانيها ولقطات من أحلامها وبعض من أمنياتها التى لم تتحقق وآلمتنا داخل نقطة عميقة ثابتة مغلقة سرية لا يصلها أحد مهما حاول ومهما كانت مكانته لدينا. وفى عالم الاقتصاد والأرقام والأوراق المالية والخزائن الحديدية والعملات المتنوعة والبورصة قرأنا عن صناديق الاستثمار ودورها فى صنع الثروات وتحويل المشاركين فيها إلى عالم الملايين والمليارات، ومن المؤكد أن الأغلبية منا تتمنى لو خاضت تلك التجربة وعاشتها ومارست هذه اللعبة بمخاطرها ونجاحاتها وإخفاقاتها، إلا أن البعض الآخر اختار نوعاً مختلفاً من تلك الصناديق، فمن أجمل ما يمكن أن نملك (صناديق استثمار الحب)، تلك التى لديها قدرات خارقة نادرة ممتعة وسطوة تنافس ما عرفته البشرية وتكالب عليه الناس ظناً منهم أنه الأمل والمنتهى والهدف الأقوى، ألا وهى سطوة المال.
ففى صندوق استثمار الحب وضعت كلمات لا تُنسى طارت بى إلى السماء ورقصت برفقتها وسط السحاب ومعها وبها تعلمت الرضا والحمد والنوم العميق الهادئ المشبع لكل الرغبات والمسيطر على جميع الحواس، وأضفت إليه أسماء أحبتى التى صنعت منها قلادة ضمّت أغلى الأحجار وأندرها وأقواها بريقاً ولمعاناً، ولأن هذا الصندوق تكون مع أول أيام لى فى الحياة ولازمنى وما زال حتى الآن، فقد حاولت أن أعرف إلى أى فصيلة ينتمى وكيف خرج للحياة الاقتصادية ذلك الذى منحته اسمه وصفته فوجدت أن تلك المسماة (صناديق الاستثمار) نشأت فى القرن التاسع عشر فى هولندا، ثم انتقلت منها إلى فرنسا ثم إلى بريطانيا، التى كانت آنذاك فى مقدمة الدول الصناعية. وقد ظهرت فى الولايات المتحدة لأول مرة فى نهاية الثلاثينات من القرن الماضى وظهر لها قانون خاص لتنظيم تكوينها ونشأتها وإدارتها عام ١٩٤٠، والذى أطلق عليه قانون شركات الاستثمار.
وعادة فإن هذا الصندوق يعتبر محفظة لرأس المال ينتمى إلى الكثير من المستثمرين الذين يستخدمونها بشكل جماعى لشراء الأوراق المالية، ويحتفظ كل مستثمر بملكية أسهمه الخاصة ويتحكم فيها.
وإذا كانت تلك الصناديق تدار بواسطة خبراء متخصصين يقومون بعمل دراسات عن أفضل الشركات التى يمكن الاستثمار بها لضمان أفضل عائد ممكن، كما أنها تعتبر الوسيلة الأكثر ملاءمة لصغار المستثمرين باعتبار أن الصندوق يحتوى على الكثير من الأسهم والسندات، فبالتالى يحصل المستثمر على ميزة التنويع ومخاطر أقل نسبياً من الاستثمار المباشر فى البورصة، الأمر الذى يعيدنا إلى صناديق استثمار الحب التى نحتاج من أجلها إلى مجموعة من أطباء القلب وعلماء الطب النفسى والاجتماع والشعراء والملحنين والنحاتين والرسامين، ليضعوا لنا قانوناً خاصاً بها من واقع خبراتهم، وليقوموا بإعداد الدراسات، بحثاً عن أكثر السياسات ملاءمة لإدارتها، لنضمن الاحتفاظ بمحتوياتها والاستمتاع بكل لحظة من الحياة مع سكانها، ولتحقق معهم مليارات من عملة الحب والسعادة.