بقلم : خديجة حمودة
منذ سنوات ليست بالبعيدة كنا نحتفظ بصورنا الورقية ونتبادلها ونتراسل ونتهادى بها ونحتفظ بالغالى منها والذى يحمل ذكريات أول حب وأول لقاء وشمعة عيد الميلاد وحفلة آخر العام ومعرض الأعمال الفنية التى أعددناها بأنامل الصغيرات الناعمة وبأحلام سعيدة وحالمة أن تزين ذات يوم منزلاً يملؤه الحب ورحلات المدرسة وصور الخطوبة والزفاف والابن الوليد وأول ضحكة له وأقدامه الصغيرة تلامس الأرض ويستند على الجدران وكأنه يسابق الأيام والليالى ليصل إلى القمر وعيونه اللامعة والتى تحكى قصة حياة.
ومن ضمن أجمل ما يقال عن الصور الورقية أن منها ما يباع فى مزادات عالمية بملايين الدولارات لندرتها وتاريخها وتاريخ شخصياتها التى تحمل التيجان الملكية فوق رأسها ونياشين الشجاعة والعزة والفخر على الصدور والسيوف الذهبية المنقوش على حدها اسم صاحبها وكنيته ورتبته ولقبه الذى ينسبه لأصحاب الدماء الزرقاء وتعتبر مثل تلك الصور ثروات تورث جيلاً بعد جيل وتتهافت عليها صالات المزادات العالمية لتسجل فى دفاتر أعمالها.
أما الآن فقد أصبحنا نعيش فى زمن الصور غير الشرعية التى تسرق حياتنا وأجمل لحظاتها وتهاجمنا فى أسعد وأدق وأخص وأغلى اللحظات وأكثرها عفوية وبراءة وتدفقاً للمشاعر والأفكار والكلمات كما تسرق ملامحنا وهى تتحدث وتحكى وتغنى وترقص وتحتضن الأعزاء أصحاب الحظوة والمكانة الغالية. تسرق فرحتى بعودة الغائب وأصابعى تربت على كتفه وعيونى تستوعبه بجسده وروحه ومشاعره ولهفته وربما دموع شوق زاد وفاض تغرق الوجه والكف بعد جفاف البعاد.
ولأننا نعيش فى زمن القبح واللامعقول والعرى فقد أعلن خبر أزعجنى كثيراً وهو تزويد شوارع المدن المصرية ووسائل المواصلات والميادين وأماكن الترفيه والفنادق والمستشفيات والمصاعد وجميع المحال بكاميرات مراقبة للحفاظ على الأمن العام وتأمين المؤسسات والمواطنين ولمكافحة الإرهاب، وقد دار فى ذهنى سؤال بديهى ألا وهو وماذا عن الأمن الخاص والشخصى؟ ألا يكفى ما يتردد عن تصوير البعض فى منازلهم وتهديدهم العلنى بتلك الصور؟ أزعجنى بل أحسست بالرعب من سرقة حياتى وأحبائى وصغارى وأفراحى وأيضاً دموعى وآهاتى ونظرات الإعجاب الخاصة بى لشخص أو مكان وكذلك نظرات الاستياء التى ترتسم أحياناً على ملامحى دون قصد وبعفوية شديدة. وأدركت أن زمن ألبوم العائلة قد انتهى ومضى ولن يعود.
وبالرغم من أن رجال القانون يؤكدون أن تصوير الأشخاص فى مكان خاص بهم دون إذن منهم يعد انتهاكاً لحرمة الحياة الخاصة كما يعد مساساً بالخصوصية التى كفلها الدستور والقانون، ووفقاً للمادة ٣٠٩ مكرراً من قانون العقوبات فإن من يقترف جريمة انتهاك حرمة الحياة الخاصة يتعرض للحبس وتمتد العقوبة لتشمل كل من سهل أو أذاع أو شارك فى نشر الصور.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل إن التنصت على المكالمات التليفونية أيضاً يعد عصفاً بنص دستورى يصون ويحمى الحياة الخاصة بكل إنسان. حيث اتسعت المادة ٥٧ من دستور ٢٠١٤ فى ضمانات الحريات الشخصية للمواطنين لتشمل المراسلات البريدية والبرقيات الإلكترونية وكذلك المكالمات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصالات وكفلت سريتها التامة ووفقاً لنص المادتين ٣٠٩ مكرراً و٣٠٩ مكرراً أ تعتبر المادتان إضافة مهمة لضمانات الحرية الشخصية، إذ إنهما تحرمان لأول مرة فى التشريع المصرى الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة بأى وسيلة ومنها التقاط صور شخصية فى مكان خاص، وتشدد عقوبة ذلك إلى ثلاث سنوات إذا ما تم ذلك دون رضا صاحبها.
ومن الطريف فى تلك الملهاة التى نعيشها أن التصوير المستمر والعدوانى قد يدخل أحياناً طبقاً للقانون ضمن إطار التعريف القانونى للتحرش. وقاكم الله أيها الأصدقاء من سرقة اللحظات الخاصة النادرة الثمينة ومن التحرش.