بقلم : خديجة حمودة
لأننى من عشاق الإبداع والمبدعين، فمنذ صغرى وأنا أحتفظ بأجمل ما رأيت وقرأت فى ذاكرتى وصور الغاليين بزيادة سكان القلب وابتساماتهم وإيماءاتهم ولمساتهم وضغطة أيديهم وهدهدتها لأستدعيها كلما اشتقت للحظات الإمتاع الذهنى والوجدانى أو أحسست بهزيمة الأيام والأقدار وخيانة البعض ونكرانه لكل لحظات الصدق والعطاء، فهناك أوقات تمر بِنَا لا يطربنا أو يشجينا إلا ما يعيش داخلنا ويمنحنا الزاد والزوّاد لليالى العجاف وقد تكون صورة أو نغمة ناعمة أو كلمات مسّت الروح قبل القلب وبالرغم من عدد السنوات التى مرت على رحيل عباقرة الكاريكاتير، فإننى ما زلت أتذكر العديد من أعمالهم الخالدة التى تحكى قصصاً كثيرة عن المناصب والمقاعد والإنسانية وضياع الحب والسكن وتقديمه قرباناً للوصول لهدف ما.
وقد أبدع كبار هذا الفن لأنهم يملكون من وسائل فنية خاصة ما يمكنهم من التعبير دون التصريح وجميعهم دون استثناء أصحاب مدارس ومذاهب فى هذا الفن الجميل المعبر عن حقائق يحاول أصحابها الهروب منها أو إخفاءها وقد شاركت صور ساخرة وذكية وفاضحة ومتوارية إلا لمن يفهم الأوضاع والأحوال التى يصل فيها حب المنصب والمقعد إلى أعلى درجاته مع الإنسان، فتتغير ملامحه وعاداته وينسى تقاليده وجذوره ونسبه وأجداده وتاريخهم وقصص كفاحهم من أجل لقمة العيش للعائلة والطيبة التى كانت تظهر فوق وجوههم وضحكاتهم المرحبة الودودة الحنونة المحتوية المتفانية المضحية حتى آخر قطرة من الدماء وآخر لحظة فى العمر ونهاية القدرات والممتلكات والنفوذ، فقد ظل التاريخ يتحدث ويحكى بالأقلام والأفلام السينمائية واللوحات والصور الفوتوغرافية عن مأساة المقاعد. ومن أسوأ ما يمكن أن يعانى منه الإنسان أن يكون أحد هؤلاء المتشبثين بالمقعد والمنصب هو شريك العمر والحبيب والدار ورحلة الحياة.
وعن هؤلاء يقول علماء النفس إنه من خلال الاستقراء النفسى البسيط يتضح أن كل رجل سياسة يسعى دوماً ويمنّى النفس بالوصول للسلطة وتقلد المناصب السياسية وهو ما يسمى (حب تملك السلطة وممارستها) ويدفعه هذا الحب النرجسى للمنصب السياسى إلى تكريس الوقت والجهد والمال للظفر بالكرسى لأن السلطة والقوة والسيطرة هى كنز ثمين بالنسبة للسياسى يعشق الحفاظ عليها بأى ثمن وتلك (هى رحلة الأنا).
ويؤكد علماء النفس أن المنصب والمقعد وعشقهما يغير كل شىء فى الرجل السياسى وتظهر عليه سمات نفسية وسلوكية شاذة من قبيل ممارسة السلطة ومن منطلق (شخصنة المنصب) والإحساس بأنه مركز الكون فيما يسمى فى الطب النفسى (التمركز على الذات) دون أن يمنح الآخرين حتى مساعديه أو شركاء العمل والجانب الآخر (شركاء الحياة والعمر) الحق فى المشاركة أو النقاش العمومى أو حتى اقتراح الحلول والبدائل لأى قضية أو مشكلة. ويبدو أننا وصلنا لعصر أصبح فيه النصيب الأكبر لعشق المناصب وحب الذات وتضخم الأنا وشخصنة المنصب والتمركز على الذات، حيث يعانى البعض من النرجسية والتعالى والإحساس بعقدة الاضطهاد والخوف من التآمر، ما يولد لديهم الحذر والشك فى النوايا الأمر الذى يؤثر فى الشخصيات نفسياً ويشوهها ويُفقدها الاتزان الانفعالى والسلوكى ويجعلها مستعدة للقفز على القيم والمبادئ من أجل تملّك السلطة.
ومن الطريف أن تنطبق كل هذه النظريات الطبية والحياتية على علاقاتنا العاطفية الخاصة وعلى الأسرة، كما لو كانت مؤسسة أو دولة فالقلوب واحدة والمشاعر متشابهة وما أقسى أن تموت قصة حب.
أو تتغير المشاعر وتتحول بسبب طموحات غير مشروعة وسياسات خاطئة لأن الحبيب أصيب بشخصنة المنصب ووقع فى عشق الأنا ولكن الأشد قسوة دون شك أن تتغير ملامحه وتختفى نظرات الحب وتموت ابتسامة الود وتحل مكانها نظرات التحدى وقسوة الشك والخوف من ضياع المنصب، وفى مثل هذه اللحظة لا يبقى إلا أن نقول (لا عزاء للمحبين).