بقلم - خديجة حمودة
ملهمته أنا وهو مليكى ومولاى وسيدى وحلمى وأمنيتى الغالية وحديثى المفضل، وسيظل طوال العمر يعيش ويتنقل ويغير مواقع وجوده، ويتنفس ويحكى وينجح ويعلو ويدخل المسابقات والمهرجانات ويحصل على المراكز الأولى المميزة ويتسلم الجوائز والميداليات لأنه يعيش داخلى بين ضلوعى ويسكن فؤادى، ولأننى ملهمته ويكتب من أجلى أرق الكلمات ويضع لها الألحان ويوزعها بإبداع وحب وإعجاب فتخرج الأغانى وتتمايل عليها الصبايا ويرددن كلماتها، ويختار لها أقوى الأصوات وأشهرها لتعيش وتعيش وتنتقل من جيل لآخر وتحلم كل صاحبة قصة حب بمعانيها وإسقاطاتها وتدندن بها.
ملهمته أنا وأطير حتى أصل للسماء عندما يختار اسمى لأحد أعماله فيردده العالم كله وأصحاب لغتنا وأصبح أيقونة الحب والجمال فى عيونه وعيون الآخرين وتحسدنى رفيقات الدرب وصديقات الطفولة والشباب على تتويجى والإعلان عن اسمى وكنيتى على الهواء وفى محطات الأغانى وعلى أوراق دواوين الشعر.
أما أنا فأرفع رأسى زهواً وفخراً وسعادة بعد أن أصبحت على نفس قمة الملهمات العظيمات الراقيات ممن كتب لهن إبراهيم ناجى وأحمد رامى وصلاح عبدالصبور والأمراء الذين نسوا إماراتهم والسلطة والجاه والقصور والديوانيات، وكتبوا عن الحب والشجن والحنين، ولحّن كلماتهم عظماء الموسيقيين وتخاطفتها أصحاب الأصوات المبهرة فى أغانٍ رومانسية لا تجرح أحداً ولا تكشف مستوراً ولا تصيب مستمعيها بالتلوث السمعى ولا تدفع المستمعين لرقصات خارجة صاخبة، بل تدفعهم للعيش فى عالم السحر والجمال، ملهمته أنا وأفتخر أن أجد اسمى عنواناً لكتابه وديوان شعره الذى تتخاطفه الأيدى فى معارض الكتب ويتسابق مريدوه للحصول على توقيع وإهداء منه على ورقته الأولى وكأنهم يشهدون على قصتنا معاً ولا يتوقف الأمر لديهم عند ذلك، بل يشاركهم لياليهم وجلساتهم وسمرهم ودموعهم التى تنهمر حباً وشوقاً ولوعة وسعادة فى مزيج نادر من المشاعر ويتبادلونه فى أعيادهم ومناسباتهم الخاصة جداً لأنه رمز الحب والجمال والصدق والنقاء.
ولأننى أتمنى أن يظل يغنى لى وحدى بحثت فى ذكرياتى وأوراقى وصورى فاكتشفت أن أمى هى صاحبة أول صوت غنى لى وأطربنى فى حب لا مثيل له وتأكدت أن ما قالته (الأم تيريزا) وردده محبوها أن (الحياة أغنية، غنيها) هو الحقيقة.
وتجولت أكثر وأكثر فى تاريخ الغناء فوجدت أن الفنان بابلو بيكاسو قال: (يجب عليهم إغماء أعين الرسامين كما يفعلون مع طيور الحسون حتى يتمكنوا من الغناء بشكل أفضل)، أما فولتير فقد كتب أن (الحياة سفينة محطمة لكن علينا ألا ننسى أبداً لذة الغناء فى قوارب النجاة)، ومن أجمل ما قيل عن الغناء ما كتبه أحمد الأصفهانى: (لو أننى قاضٍ قضيت قضية أن الحديث مع الغناء حرام)، أما التراث الروسى فيقول أحد أمثاله الشعبية: (إن المحادثة تقصر الطريق والغناء يقصر العمل)، وفى رومانيا يختلف الأمر فى أمثالهم الشعبية فمن أشهرها (ماذا يعرف الحمار عن غناء العندليب؟)، فى إشارة إلى جهل الأغبياء بأهمية الغناء، ويقول الكاتب اللبنانى وديع سعادة: (فى السكون غناء جميل، وفى الصمت دهشة أصوات حين تجلس وتصمت تكون تخترع أوتاراً جديدة)، ولأن الألم هو أول دوافع الإبداع، فقد كتب حسين البرغوثى: (عمق الغناء يأتى أحياناً من عمق الوجع، كما يأتى الضحك الذهبى أحياناً من كثرة المتاهات)، أما أنا فأردد وسأظل أردد وأكتب: «غنّى لى لوحدى».