بقلم : خديجة حمودة
البعاد له مرارة وقسوة وآلام ومذاق لا يخطئه أى إنسان وجميعنا أحسسنا به حتى وإن اختلف من شخص لآخر أو من زمن لما سبقه أو لما سيأتى بعده ويلحقه وينافسه فى البقاء وترك الذكريات والعلامات والأحلام والحكايات. البعاد يعلمنا ما هو الحب والحنين والشوق والاعتياد والنسيان وكيف نستحضر أحاسيس عبرت علينا ونحاول إبقاءها ونصر على الغوص داخلها كما لو كانت موجة من موجات البحر القوية التى تلفنا ونستمتع بدخولها ونرفع وجهنا للسماء لثوانٍ قليلة بحثاً عن أى نسمة هواء لحظية تبقينا على قيد الحياة ونعود من جديد وسطها فى سعادة واستمتاع ونتمنى لو قضينا حياتنا هكذا كنسمة هواء وحضن وسط الماء وحلم بالوصول للقمة وآخر بالنزول تحت الماء حتى قاع البحر. ويبدو أن البعاد يوقظ داخلنا أشياء كثيرة ويعلمنا أن الألم شىء بديع وليس كله قاسياً فهناك آلام لها مذاق خاص جداً يكاد يقترب من اللذة ذلك عندما يكون هناك يقين أنها الطريق الوحيد للوصول للأحبة أو الأهداف أو النجاح أو تحقيق الآمال، مثل ذلك الإحساس الغريب المتضارب الممزوج بجميع المشاعر عندما تجد الطائرة تلامس أرض الوطن بعد سنوات من الاغتراب أو آلام المخاض التى تمزق الأم لكنها تتلهف عليها لترى وليدها وتحتضنه، ومثلها تلك التى تهاجمنا من الإجهاد ومواصلة الليل بالنهار للاستمرار فى العمل من أجل المنصب والمال وإسعاد المحيطين والأحبة، وحتى الصغار يعيشون تلك اللحظات ببراءتهم ومشاعرهم النقية فى انتظار عودة الأم من غياب والإحساس بضمتها التى لا تساويها أخرى طوال الحياة. أو رؤية الشقيق الذى ابتعد أياماً أو الطعام الذى أحس باحتياجه الشديد إليه.
وأنت عنى بعيد أجمع أسماء جميع الكتابات التى قرأتها ودواوين الشعر التى حفظت كلماتها والأغانى التى حلمت بعودتك على ألحانها وأحسست بفرحة النجاح مع هتاف مطربها وارتديت ثوب عرسى على إحداها واستقبلت وليدى مع دقات الأخرى وعلمته السير والنطق وأمسكت بيده من الهواء على نغماتها. وأنت عنى بعيد أتعجب من عدم وصول رسائلى إليك بالرغم من أن الجميع يقرأها ويتبادلونها كهدايا فى عيد الحب ويجدونك بين السطور وفوق الهمزات وتحت الكسرة ومع التنوين ويضحكون ويتغامزون ويقولون إننى أعانى آلام البعاد.
وأنت عنى بعيد بحثت وتعلمت وقرأت وعرفت أن هناك جمعية مصرية لعلاج الألم أنشئت منذ ٢٥ عاماً وأن الهدف منها زرع ثقافة الذهاب للطبيب لتخفيف أى نوع من الآلام وأن مهمة هؤلاء معرفة السبب وتوجيه المريض للمختص. وعرفت أيضاً أنه فى عام ٢٠٠٧ أصدرت جمعية طبية تابعة لمنظمة الصحة العالمية منشوراً يقول إن التخلص من الألم حق من حقوق الإنسان وهو ما جعل العالم كله يتجه إلى البحث فى الطرق الحديثة لعلاج الألم وأنشأت كل الدول الأوروبية وأمريكا مراكز متخصصة فى علاج الألم. وأنت عنى بعيد وأنا أبحث عن علاج لألم البعاد وجدت أن جمعية أطباء الألم المزمن المصرية تعلن عن إقامة ورشة دولية لعلاج الألم للتدريب والتوعية لصغار الأطباء والمهتمين. كما وجدت وحدة للألم بأحد المستشفيات الجامعية المصرية وجمعية أخرى فى المملكة العربية السعودية تحمل نفس الاسم وتعمل من أجل نفس الهدف. وأنت عنى بعيد وجدت تعريف كلمة الألم بأنه ظاهرة متعددة الأبعاد ويتضمن جوانب معرفية ووجدانية وحسية وبيئية سواء فى وجود أو غياب الأسباب الباثولوجية فأدركت فى تلك اللحظة أنك أنت الألم وأننى لو جمعت أسماء أوراقى التى تضم (نفوس آيلة للسقوط - شاحن القلوب - خد وهات - حالة انبهار - جملة وضمة - فطام إرادى - فن التدمير - مشاعر قسرية - حكايات القمر - خاص جداً - قذائف الخوف - قضية تزوير - عندما تجهم القمر - أميرة حبه أنا) فستكون هى قصتى مع الألم.