نعيش الحياة منذ أول لحظة لنا فيها حتى الرحيل باحثين عن الحب والحبيب والونس والونيس والمانح والمعطاء والكريم والسخى والسند، ولعل صورة الوليد الذى يمد يده الصغيرة بحثاً عن أى من هؤلاء هى أصدق تعبير عن ذلك فجميعنا نبحث عن الأمان والسعداء فقط من يجدون يداً أخرى أو أيادى عديدة تمسك بهم وتتشبث وتجذب بقوة وتتمسك وتحكم قبضتها.
أحدثكم اليوم أصدقائى عن الحبيب والأيام والمشاعر التى تسقط منا وسط الطريق رغماً عنا فنعيش ننتظر العودة ونتذكر نصائح العجائز فى الزمن الجميل عندما كانت إحداهن تجد على وجنتها أحد رموش العين حائراً أين يذهب؟ والى أين مصيره؟ بعد أن سقط سهواً من مكانه المميز حول العين فتمد أصابعها لتلتقطه بسرعة وتقبله وتضمه إلى صدرها داخل ملابسها هامسة بدلال أنثوى خجول أفقدتنا إياه الأيام والتكنولوجيا والحياة (حبيب غايب) أى إنها ستلتقى بحبيب طال غيابه.
ويجب أن نعطى لهذه الجملة المكونة من كلمتين حجمها ومعناها الطبيعى الذى تضمه بين حروفها قليلة العدد ضخمة الأحلام والمعانى، فالغائب قد يكون نجاحاً أو عملاً أو رزقاً أو وداً طال افتقاده مع شركاء أو أصدقاء أو أحبة، ومثله أيضاً فى المعزة والمكانة وانتظار قربه الوحى والإلهام للمبدعين من الكتاب والشعراء وكل من يمارس مهناً تحتاجه وما أقسى الغياب عن الوطن والبحث عنه وعن الأرض والذكريات والبيت القديم وجوانبه وأثاثه والأقلام الملونة الطباشيرية والممحاة من القماش المشدود واللوحة الجدارية للسيدة الجميلة ذات الجسد البللورى والثوب المهدل فوق كتفيها والرموز البدائية التى كنا نتحدث بها ونكتبها على الجدران كرسائل سرية خاصة جداً.
وعن تجربتى مع تلك المشاعر ورمش العين المتحرك الموحى بالفرحة والسعادة أقول إنه فى قصص كثيرة يرويها أطباء أو مساعدون لهم يعود المريض للحياة بعد أن يوشك على الرحيل وبعد أن يتوقف القلب عن النبض لبرهة صغيرة ومما لا شك فيه أن العودة للحياة بعد فترة أشبه بالموت فكرة رائعة وممتعة، خاصة لمن لديه القدرة على وصف هذه المرحلة بوضوح.
وفى علاقاتنا الخاصة من أجمل اللحظات تلك التى تكتشف فيها أن حبك حى يرزق بينما كنت تظن أنه قد انتهى.
لحظة تساوى سعادة العمر كله عندما تعود للعيون بريقها وقدرتها على الحديث والبوح ويذوب ثلج من حول القلوب وتتلون الوجنات بدماء الرغبات وترتعش الأيدى بفرحة اللمسات وينطلق اللسان بأبلغ الكلمات، ففى تلك اللحظات يمكن أن يبوح الإنسان بما شعر ورأى فيقص على الأحبة مشاهداته وما احتوى قلبه الذى كاد أن يتوقف عن العمل ويتركه لحياة أخرى وكيف تمنى أن يعود للأحبة من جديد.
وترجمة لكل ذلك فقد رسمت بأعلى التقنيات ما يمكن أن يحدث لى فى تجربة كهذه وساعدنى فى ذلك العديد من الأقمار الصناعية مختلفة الجنسيات فقد رأيت قصة حياتى وقد تحولت إلى صورة قلب صغير، فداخل قبضة يدى وجدت بصمات تلك الأصابع التى احتضنتها مواسية ثم مندهشة وبعدها عاشقة حبيبة.
وفى الثنايا وأسفل الشريان الرئيسى رسمت علامة مميزة للنظرات الفاحصة المعجبة الخجولة التى عاشت فى ذلك المكان فى صمت تام عقدين من الزمن.
ووضعت علامات مضيئة فى مدخل الشريان التاجى تدل من يقرأ اللوحة على اللحظات الفريدة التى حصلت عليها وحدى دون منازع.
أما البطين الأيمن فزينته بصورة تتحدث فيها العيون وتحكى عن أجمل الذكريات قبل البوح والاعتراف والاندماج وإلى جوارها فى البطين الأيسر كانت شهادة ميلاد مؤرخ فيها متى وأين كان أول لقاء.
وفى المخرج الرئيسى للدماء لباقى الجسد الذى أنهكه الشوق والحنين اختلطت كلمات الحب التى تغنى بها الشعراء وألحان وموسيقى تحكى قصص وأساطير العشاق ومفردات لم تكتب لشخص سوى الحبيب وألقاب حصل عليها وحده ليتحدوا معاً وينظموا صوت دقات القلب.
فليبحث كل واحد منكم عن صورة الحبيب الغائب وسيجده دون شك ما دام لديه قلب ينبض ويغنى ويدندن.