هناك كلمات تُشعرك بالدفء والحب والامتلاء والشبع والاكتفاء من مجرد النطق بحروفها، بل قد تجد لها مذاقاً ناعماً دافئاً لا يُنسى، ويترك أثراً يستمر بعدها دقائق أو ربما ساعات، ويُذكرك بتلك التى اعتدت على الانتعاش منها فى طفولتك، والاحتفاظ بها أكثر وقت ممكن داخل فمك، لتعيش متعة طفولية لاذعة ضاحكة، وكأن هناك شيئاً ما قد اختبأ بين أسنانك ليداعبك ويشاغبك ويطلق همهماتك السعيدة، فهناك دائماً حاجة حلوة.
وإذا كنا قد استعذبنا المذاق الحلو فوق شفاهنا منذ الصغر، فإن الحياة تسير ونتذوق الكثير من أشياء مختلفة ومواقف غريبة متناقضة، إلا أن الحلاوة واحدة لا تختلف كثيراً.
وعن رؤيتى الخاصة جداً، فإننى أستعذب الكلمات التى تضم حرف الحاء، وأجد لها مذاقاً حلواً، لأنها تشترك فى أجمل المعانى وأبسط المخارج، فأشعر أنها تريح الفم فى خروجها بلا أى مجهود، كما تشير لكلمات كلها جمال، فمنها «حياة وحلوة وحب وحبايب وحنان وحنين وحكاية وحدوتة وحلوى وحلال وحليلة» وكأنها استولت على جميع معانى الحب، واحتفظت لنفسها بها بلا منازع، والمعانى كثيرة ومتعددة، ووراء كل منها حدوتة وحكاية.
ولعل أولها كيف ظهرت تلك الحروف الدافئة؟ وما هو تاريخها؟ فبعد بحث وتنقيب، وجدت أن هناك آراء ظهرت حول تاريخ الأبجدية العربية، تشير إلى أنها اشتقت من الخط (المسند)، وأن أول من وضعوها هم «نفيس ونضر وتيماء ودومة» من أولاد «إسماعيل»، وأنهم وضعوها متصلة الحروف بعضها ببعض حتى الألف والراء ففرقها، فكانت «أبجد هوز حطى كلمن سعفص قرشت».
أما الحدوتة الثانية فتقول إن الأبجديات مشتقة من العربية، وإن أنظمة الكتابة اتخذت أحرفها من أصول حروف اللغة العربية، فتداولتها وتناقلتها، وكان اشتقاق الحروف بطرائق، منها الشكل بالهمز أو النقط، وربط الحروف ودمجها وتغيير الرسم، فنشعر جميعاً بحلاوة اللغة العربية وتاريخها، ونفخر أننا من أبنائها.
وإذا انتقلنا لحدوتة ثالثة فسنجد أن الحياة ممتلئة بالتناقضات المذهلة، فهناك أشياء من الصعب أن تصدقها، أو تمر بخيالك فى علاقتنا الخاصة، فهل يمكن أن يدعى شخص الغيرة واللهفة داخل نظراته والقلق فوق ملامحه؟! وهل يستطيع البعض إتقان تلك الأدوار وخداع الآخرين؟!
فقد أثبتت التجارب والمشاهد والحكايات الحلوة والمرة صحة هذا التساؤل، وأن هناك أناساً يُجيدون لبس الأقنعة وتغييرها، وأن الشح العاطفى يقضى على جمال الحب وعلاماته المشرقة، ويحول الألوان الزاهية المبهجة إلى أخرى قاتمة كئيبة.
فعندما يرى المحب السعيد القمر يرى فوق صورته وجه طفل جميل ضاحك، أما إذا كان يعانى، فنفس الصورة ستتحول إلى قرص مستدير ملىء بالندبات والجروح والدماء المتجلطة القاتمة التى ترسم بخطوطها المتعرجة المتقاطعة المتراكمة فى بعض النقاط، والباهتة فى أخرى خريطة فوق وجه القمر تحكى الحدوتة المرة، ورغم أن المشهد واحد فى الحالتين، لكن المشاهد والمتأمل مختلفان.
فهناك المغرم الولهان المجهد عليل القلب، وهناك أيضاً المكتفى المرتوى الممتلئ، والفرق بينهما وبين حدوتة كل منهما كبير وغريب.
ومن الحواديت الحلوة التى أعجبتنى بمعناها وما تحمل بين كلماتها ما كتبه الصحفى الشاب ميشيل سامح، كدعوة لنا قبل أن نلقى بأنفسنا داخل أنهار الحب العميقة، متمنياً لو أصبحنا مثل الأدوية على أغلفتها يُكتب تحذير بضرورة الحفظ بعيداً عن متناول الأطفال وداخلها نشرة تتحدث عن الآثار الجانبية لتعاطيها فترة طويلة أو وجيزة.
لنقرر إما الاقتراب أو الانسحاب من البداية، إذا أدركنا أن التجربة قد لا تكون حدوتة حلوة. وإذا انتقلنا لآخر ما أريد أن أحدثكم عنه أحبائى وأصدقائى فهى أمنياتى لكم أن تكونوا دائماً الحدوتة الحلوة فى حياة أحبائكم، ليحتفظوا بذكرياتهم معكم بحثاً عن المذاق الطفولى اللذيذ الذى لا يُنسى.