توقيت القاهرة المحلي 20:18:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أرجوكم لا تسرقوا الذكريات

  مصر اليوم -

أرجوكم لا تسرقوا الذكريات

بقلم - خديجة حمودة

اعتدنا فى صباح كل يوم التخلُّص من إحدى أوراق نتيجة الحائط أو تظليل اليوم وتاريخه وما احتواه من أحداث فى نتيجة المكتب؛ علامة على انتهائه وتخطيه والانتقال لآخر وساعات جديدة وجدول أعمال ومواعيد ولقاءات وزيارات لأماكن لم نشاهدها من قبل أو عرفناها وارتبطنا بها وتركنا فوقها علامات وكتبنا على جدرانها واخترنا لنا فيها مقعداً خاصاً وطاولة طالما اجتمعنا حولها بأشخاص ينتظروننا ويسعون لنا ويمدون أيديهم ويرسلون كلمات عبر الأثير والأحلام والغمزات والهمسات.

وفى الحقيقة أنه لا بد أن نضيف رقماً على أعمارنا كل صباح ونزيد ذكرياتنا ونغير فى مشاعرنا وتعدد مواعيدنا ونضيف لخبراتنا مواقف ومواقف، ولأن الأيام لا تعود للخلف بل تتقدم دائماً بخطوات واثقة محسوبة مقدرة قبل وصولنا لهذا العالم ففى وسط هذه التحركات تتراكم داخلنا وحولنا الذكريات وترسم فى وجوهنا خطوطاً وتضع لمسات لا ننجح فى إخفائها عن العيون الفضولية، إلا أن هناك من يمتهنون بجدارة وحرفية سرقة الذكريات والعبث بها ومحاولة محوها تماماً من حياتنا وكأنها لم تكن.

ومن أكثر المشاعر إيلاماً أن يبحث المرء داخل ذاكرته عن صور طالما أحبها وعاشها واستغرق داخل تفاصيلها وكل محتوياتها وأحب من شاركوه فيها واحتفظ بعطر أنفاسهم وملمس كلماتهم ومذاق طعامهم فلا يجدها أو يجد من يحاول الاستيلاء عليها وتحطيمها وإخفاءها عن عيونه بدعوى التطوير والتجميل والبحث عن الجديد.

فالذكريات يا سادة فيها من الإعجاز ما يحتاج إلى وقفة، وفيها من روعة الحياة ما يحتاج إلى قلب وعقل ووجدان وكينونة إنسان سوى، فبعد تخزين الذكريات والتجارب والخبرات فى المخ فى عدة مستويات تصبح الذكريات باقية بقاء الإنسان، فهناك المرحلة الأولى كما يقول أطباء علم النفس، التى يتم التخزين فيها قصير المدى ومع تكرارها وبلوغ الشخص معها النشوى أو الضيق تنتقل إلى الذاكرة طويلة المدى، التى يؤكد العلماء أنها نعمة لا بد أن نحمد الله عليها مهما بلغت معاناتنا معها عند رحيل من نحب أو عند خروجنا من تجربة حياتية جميلة أو أليمة، حيث نملك جميعاً القدرة على تخزين وترسيخ المعلومات والخبرات فيها بشكل تدريجى لأن لديها القدرة على تخزين كم هائل من الذكريات لمدة غير منتهية.

وفى أهم الأبحاث التى أعدها عالم الأعصاب (دونالد هيب)، الذى عاش من عام ١٩٠٤ حتى عام ١٩٨٥، استطاع أن يميز بين الذاكرة قصيرة المدى وطويلة المدى، ووفقاً للنظريات التى شارك فى تطبيقها فى علم الأعصاب، فإن الأشياء التى نلاحظها ونتعلق بها ونخزنها تعتمد على النشاط الكهربائى للمخ المتردد فى الدوائر العصبية، إلا أنه وللأسف يمكن تدميرها بسهولة عن طريق الانقطاع أو التدخل العنيف، حيث يرتبط ذلك بالهرمونات التى يتم إطلاقها أثناء الألم والإجهاد النفسى الذى يلعب دوراً فى تجديد الذكريات التى يتم حفظها.

وبعيداً عن العلماء والأطباء والنظريات العلمية، فإننا نعانى من عملية تدمير شامل وقاسٍ لهذا الكنز الذى وزعته علينا الأيام والأقدار بعدل سماوى لا خلاف على شفافيته، فالصور أصبحت باهتة وغريبة علينا جميعاً بعد أن فقدنا الدليل والخريطة التى رسمتها لنا الأيام والليالى بريشة شركاء الحب والحياة، فقد اقتلعوا الأشجار التى حُفرت عليها الحروف الأولى لأبطال قصص الحب والشباب، واقتلعوا المقاعد الرخامية التى شاركتنا لحظات السكينة والهدوء، وتغيرت أسماء طرق طالما كررناها وعشنا فيها وداخل مبانيها طفولة وشباباً وشاهدت أفراحنا ولحظات ميلادنا ونجاحنا، فصرنا جميعاً دون استثناء نبحث وسط الحطام والركام عن قطعة من ورق حائط اخترناه لغرفة الأحلام، ودرجات سلم كنا نختبئ أسفلها من العقاب، ونوافذ طالما نظرنا من خلفها وضحكنا وأشرنا بعلامات النجاح والحب واللقاء القريب، ولم نعد نملك الآن إلا الدعاء والرجاء والهمس (أرجوكم لا تسرقوا الذكريات).

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أرجوكم لا تسرقوا الذكريات أرجوكم لا تسرقوا الذكريات



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:36 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الأمير الحسين يشارك لحظات عفوية مع ابنته الأميرة إيمان

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 13:24 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 12:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تحصد 31 ميدالية متنوعة مع ختام بطولتي الرماية

GMT 13:55 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الهلال يستضيف الزمالك في ليلة السوبر السعودي المصري

GMT 06:08 2024 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

عطور نسائية تحتوي على العود

GMT 08:19 2022 الأحد ,25 كانون الأول / ديسمبر

أزمة الطاقة وسيناريوهات المستقبل

GMT 19:18 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الطرق الصحيحة لتنظيف الأثاث الجلد

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon