بقلم : خديجة حمودة
يقولون فى حكاوى الونس والسمر والسهر والذكريات والدردشات وجلسات الشابات الجميلات اللاتى تداعبهن أحلام الحب وصوره ومكاتيبه ومراسيله وهداياه ووروده وخطاباته ومواعيد لقائه، إن للقلوب مفاتيح لا يملكها ولا يعرف طريق الوصول إليها إلا أصحاب الحظ السعيد والصفوة والأنقياء أصحاب النفوس الخضراء المحلقة مع الطيور، التى يختلط صوتها عندما تتحدّث بعندلة العندليب، وهديل الحمام، وشدو البلبل، وهدهدة الهدهد، لتنافس أشهر وأرقى وأنعم الموسيقات العالمية، وتطرب من يستمع إليها، فيعشقها ويعتاد الحياة المغلفة بها، كما لو كانت قطعة حلوى سويسرية الصنع من الصعب نسيان مذاقها، ويؤكدون أن هؤلاء تفتح لهم أبواب الحب والجمال والخير والإبداع والنجاح ولا يغلق أمامهم أى باب أو قلب إنسان. وإذا كان من الصعب أو المستحيل أن يصنّف أحدنا نفسه ويضعها وسط هؤلاء، فقد يكون من الأسهل أن نتحدث عن ذلك المفتاح الذى حير الجميع على مر العصور، ألا وهو مفتاح القلوب.
ففى إحدى الصفحات الأدبية، قال شاعر فى رده على سؤال حول المحبوب، وكيف يحتفظ به الحبيب (عندما يهديك أحدهم مفتاح قلبه فاحرص على ألا تضيعه فإن ضيعته فلن تجد له نسخة أخرى)، أما «الأحوص الأنصارى» فقد قال (ما سُمى قلب إلا من تقلبه).
بينما قال على بن أبى طالب (احرص على حفظ القلوب من الأذى، فرجوعها بعد التنافر يصعب، إن القلوب إذا تنافرت ودها شبه الزجاجة كسرها لا يشعب).
ويبدو أن تلك الأقوال تحمل المعنى نفسه، وهو أن تفقد قلب المحبوب، وأن يغلق أبوابه أمامك، وتكون أنت من أضعت مفتاحه. وعمن يتسبب فى ضياع ذلك أقول لكم إن دراسة نشرت فى الكلية الأمريكية لأمراض القلب فى دورتها العلمية الـ٦٦ عام ٢٠١٧ ذكر فيها أن الاكتئاب والوحدة القاتلة والذكريات المؤلمة تؤدى إلى ارتفاع احتمالات الإصابة بأمراض القلب وقد تؤدى إلى الوفاة المفاجئة وهو ما يطلق عليه طبياً عطب القلب. وقد وضعوا فى الدراسة نصائح للحفاظ على القلوب، وهى البشاشة والحب ومشاركة الأحبة الاهتمامات والمشاعر والتعود على الإنصات لهم ومشاركتهم أهم اللحظات الخاصة الثمينة المفرحة أو العكس، لأن تلك المشاركة تعتبر من أهم مفاتيح القلوب.
وإذا كان المفتاح فى قاموس المعانى اسماً، وجمعه مفاتيح ومفاتح وهو الآلة المستخدمة فى الفتح والغلق للأبواب ولأجهزة الحاسوب أو آلة الطباعة أو معالج الكلمات، وفى عالم الجغرافيا فإن هناك مفتاح الخريطة، وهو الشرح التفصيلى المرفق بها لكل ما تحتويه، إلا أنه فى عالم الموسيقى له مكانة خاصة، حيث يرمز إلى درجة النغم لسطر واحد مدرج موسيقى، وهو الذى يمكن أن يحدّد الدرجات الأخرى من السلم الموسيقى. كما أن من ضمن معانيه مفتاح الكلام، أى ما يوضح المعنى، كما أنه المعلومات التى تستخدم لتعريف بند فى نظام تخزين أو استرجاع بيانات. ومن أجمل التعبيرات التى يظهر فيها المفتاح عندما نقول (فتح له قلبه، أى تحدث معه وباح له بسره، ووثق فيه) و(فتح الله عليه، أى أنار بصيرته) و(فتح على فلان، أى أقبلت عليه الدنيا) و(فتح أذنيه، أى أصغى باهتمام).
ولأننى من عشاق الشعر والأغانى التى تتحدث عن أهم ما يشغل المحبين ويسعدهم، فما زلت أردد كلمات الشاعر الغنائى «فتحى قورة»، التى سمعناها بصوت فريد الأطرش (قلبى ومفتاحه دول ملك إيديك)، وتطربنى لأنها تؤكد لى صحة ما ذكرته لكم عن هذه العلاقة الحميمة وقصة المفتاح الذى قد يشقيكم العمر كله إن أضعتموه، فرفقاً بأحبتكم، حتى لا يأتى يوم تبحثون فيه عن تلك الآلة الصغيرة التى قدموها لكم فى ذروة مشاعرهم، وأضعتموها وأنتم تدركون أنه لا بديل لها، ولا توجد صورة أخرى لها، وأن ما أغلق لن يُفتح من جديد.