توقيت القاهرة المحلي 21:08:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المبادرة المصرية

  مصر اليوم -

المبادرة المصرية

محمد الرميحي
بقلم - محمد الرميحي

نشرت وسائل الإعلام، وتردد صداها في بعض التصريحات، أن ثمة مبادرة مصرية معروضة على «حماس»، هدفها إنقاذ الأرواح، ملخصها أن يتخلوا عن إدارة قطاع غزة، في سبيل أولاً وقف إطلاق النار، وأيضاً إطلاق المحتجزين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ومن هم لدى «حماس» والفصائل من أسرى، ومن بعده الوصول إلى مرحلة انتقالية، تؤدي في النهاية إلى قيام دولة فلسطينية (أي تحقيق حل الدولتين). هذا الاقتراح المصري الذي لُخص هنا لم يأتِ من فراغ؛ إذ إن مصر لعقود طويلة، صارعت إسرائيل، ودفعت ثمناً غالياً من دماء أبنائها، ومن مستقبلها، ومن خططها التنموية، في خضم ذلك الصراع الطويل والمنهك، حتى ذهب بعض المحللين الاقتصاديين إلى القول، إن مصر لم تشفَ من نتائج حرب عام 1967، وما هي فيه من صعاب اقتصادية اليوم، جزء وازن منه نتيجة تلك الحروب، وهي - أي مصر - كانت دائماً ملجأ لجماعات عربية ضاقت بها أوطانها، في السنوات الأخيرة، مثل سوريا والسودان وليبيا واليمن، فالاقتراح المصري قادم من خبرة ودراية وبعد نظر إحساساً بما يواجه الفلسطينيون اليوم من مخاطر، وأيضاً من قراءة واعية في الموقف الدولي المؤثر، بأن هناك موقفاً عالمياً دائماً وحازماً» من الغرب بدعم إسرائيل. التفاصيل في الملف الأخير (دعم الغرب) كثيرة، ويتوافق عليها معظم الغرب، والكثير من الشرق. لها أسبابها التاريخية والمصلحية، وتفيض بها كتب التاريخ، إلا أن ذلك الاقتراح قد رُفض كما تقول لنا الأنباء المتاحة، فماذا بعده؟

قبل الدخول في قراءة ماذا بعد، يتوجب الإقرار بأن ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) غير مسبوق لا في شكله في التنفيذ، ولا في سرعته، ولا في نتائجه؛ لقد كان «مفاجأة غير سارة» لإسرائيل، فجدارها الأمني قد اخترق، وسلاحها الاستخباري قد تعطل، وتقنيتها قد هزمت من اللاتقنية... كل ذلك صحيح، إلا أن ردة فعل إسرائيل على ذلك كانت وما زالت مدمرة، وأيضاً متوقعة من خلال دراسة الساحة الإقليمية والعالمية، لم يحدث مثل هذا الدمار «حجماً وتوقيتاً» في التاريخ الحديث، إنها إبادة وتصحير، وربما تهجير.

ردة الفعل الإسرائيلية محسوبة، لا ينفع فيها ما يبرره البعض بأنها «غاضبة»، هي غاضبة ولكن أيضاً وجدت في 7 أكتوبر فرصة ينتظرها اليمين الإسرائيلي منذ زمن، فحولت «الأزمة إلى فرصة»، من أجل تحقيق ما يتمناه اليمين الإسرائيلي من إبادة الفلسطينيين وغلق ملف الدولة الفلسطينية المأمولة، يساعده في ذلك رأي عام داخلي مواتٍ، هنا يتوجب التوقف للتفكير العقلاني.

ما يحدث من فظاعات هو في قلوب العرب ومحبي البشرية والإنسانية، لا أقل من مجازر، ولكنه في نفس الوقت للساسة الغربيين، ومتخذي القرار في العالم، لا مانع من استمراره، قبلنا ذلك أو لم نقبل، وقد حاولت الدول العربية في مجلس الأمن مع دول أخرى متعاطفة، لأكثر من مرة، تمرير قرار «وقف إطلاق النار»، فلم تستطع، حتى القرار الأخير والمتواضع، لم تعترض عليه الولايات المتحدة، ولكنها امتنعت عن التصويت تحت ذريعة أن القرار لم «يدن حماس»!

المشهد الآن أصبح جلياً؛ إما إكمال القضاء على المدنيين في غزة، وهم بالملايين، من خلال استمرار المقاومة، أو الوصول إلى حل سياسي ينقذ ما يمكن إنقاذه، ليس هناك عاقل يوافق أو يرغب في إبادة هؤلاء البشر، إلا أن الماكينة الإسرائيلية، أردنا أو لم نرد، ذاهبة في ذلك الاتجاه؛ لأسباب نفسية وتاريخية وسياسية تخص كبار سياسييها، وأيضاً استراتيجية؛ فهي بالنسبة لهم «معادلة صفرية» قد ينتج عنها، وهذا احتمال لا بد من التفكير فيه، حدوث «ترانسفير» من غزة أولاً، ومن ثم من الضفة الغربية، تجاه الأراضي المجاورة، ذلك الترانسفير، سيكون أكبر وأعظم في تاريخ المنطقة مما عرف في تاريخنا بالنكبة عام 1948 أو الحروب التي تلت؛ إذ إنه سيشكل أعباء لا طاقة لدول الجوار بتحملها، وربما ينتج صراعات داخلية مريرة وطويلة في بلدان الجوار، إنها معركة كسر عظم، لا ينفع فيها إطلاق الشعارات، ولا التمنيات، ولا الأوهام!

هذه المعادلة الصفرية ليست جديدة في تاريخ العالم، فهناك ما يعرف بـ«انسداد التفكير» (thought block)، وهو ظاهرة سياسية/ اجتماعية نفسية، شهدناها في العصر الحديث من شاه إيران، إلى صدام حسين، إلى القذافي، إلى بن علي، وحتى البشير، كأمثلة، وهو أن السياسي يبقى تحت أوهامه حتى يسقط.

أمام هذه المعادلة الرديئة، فإن الاقتراح المصري هو مخرج معقول وفن الممكن، ليس الأفضل، ولكن المتاح بالنسبة لتوازن القوى العالمي، وقد يكون قبوله شيئاً من الانتصار للمحاربين؛ إذ إن الحروب لا تقرر بمعركة أو بمجموعة من المعارك؛ تقرر بنتائجها النهائية!

والنتائج شاخصة، فلا «دول الممانعة» بقادرة أو حتى راغبة في التدخل النشط لمساعدة «حماس»، والذي قد يشكل شيئاً من التوازن النسبي في القوة لو حدث، ولا الدول الكبرى براغبة في وقف التجبر الإسرائيلي الفظ؛ لأسباب كثيرة خاصة بها، ولا حتى تهديد التجارة العالمية في البحر الأحمر بقادر على تغيير موازين القوى، والأخير هو فقط «ذر الرماد في العيون»، وعنتريات تذكرنا بعنتريات عربية صمّت آذاننا في عدد من الصراعات العربية المعاصرة، ولم يكن لها تأثير حتى يساوي جهد كلماتها!

الاقتراح المصري هو الممكن في الظروف القائمة لإنقاذ أرواح البشر، والحصول على نتائج معقولة متفاوض عليها، وأي تهاون أو تأخير في قبول حل سياسي يحفظ للجانب الفلسطيني حقوقه، وينقذ الأبرياء من الموت بالقنابل أو العطش أو البرد أو الجوع، هو مكسب للإنسانية، ومكسب فلسطيني، فالمعارك لا تحتاج إلى شجاعة في خوضها، بل أيضاً شجاعة أكبر في إنهائها!

آخر الكلام:

كلما تحدث قادة «المقاومة» ونسبوا ما يفعلون لـ«محور الممانعة»؛ قلّ التعاطف مع قضيتهم، صمتهم أفضل!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المبادرة المصرية المبادرة المصرية



GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon