توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أولويات... طائشة!

  مصر اليوم -

أولويات طائشة

بقلم: محمد الرميحي

إذا أردت أن تساعد على خلق وعي زائف في مجتمع ما، وتأخذ الجميع إلى الأوهام ومحاربة طواحين الهواء، عليك أن تصطنع قضايا جانبية تستنزف الوقت والطاقة لذلك المجتمع بعيداً عن الأولويات الحقيقية التي يتوجب أن يهتم بها الجميع للبقاء والتقدم.
في الأسابيع الأخيرة كانت أجندة الخليج هي «الحفاظ على القيم» بالمعنى العام، وكان تمثُلها المادي الأكثر بروزاً في الكويت ما عرف بـ«لجنة القيم» في المجلس المنتخب التي كثر الحديث عنها، تزامن ذلك مع الإعلانات في الشوارع منتشرة بكثافة والتي تحدثت عنها الصحافة المحلية والعالمية، كما اهتمت بها الإذاعات الناطقة بالعربية في العواصم الخارجية، على رأسها الإعلان الذي يقول «هو مُو مثلي... أنا رجل وهو شاذ»! في حين أن المثلية لم تكن محط نقاش لتذكر، أو مكان خلاف لتنكر، فكيف تأخذ هذا الموقع المتقدم من انتباه الناس وتُفرض على جدول أعمال المجتمع؟ السبب هو حصار المجتمع من أقلية «مسيسة» ووضعه في زاوية ضيقة تمهيداً لاختطافه وفرض جدول أعمال يناسب أجندة تلك الفئة، وخلق انشغالات بعيدة عن حياة الناس أو سلوك الغالبية العظمى منهم، وتجاوز في الوقت نفسه أو إهمال قضايا حيوية لها علاقة «بالبقاء أو الفناء» في مجتمعاتنا، على رأسها كأمثلة تدهور أسعار النفط والبدائل التقنية الزاحفة للطاقة والتي تهدد حتى الحاجة إليه في المستقبل، ونحن مجتمعات تعيش كلياً على الدخل منه، ويتوجب الالتفات بجدية للبحث عن مصادر أخرى للثروة؛ فالأولية أن يُفرض نقاش حوال بدائل للدخل النفطي الذي يحتاج من ضمن ما يحتاج إلى تجويد التعليم والبحث العلمي وقد أصبح الاثنان متطلباً أساسياً في إما التقدم أو التأخر للمجتمعات، أو وضع المرأة وتوسيع إشراكها في المجتمع وحمايتها بالقوانين الحديثة، أو محاربة انتشار آفة الفساد التي تنخر عظام المجتمع أو حتى محاربة انتشار الجريمة بأنواعها وقد أصبح لها أنواع جديدة ومذهلة، أو مخاطر فرط العمران الذي تشهده مدن الخليج وما يتبعه من تدهور للبيئة، فلا أحد يتوقف ليسأل هل هناك حدود للتوسع العمراني وتأثيره على البيئة وهي تقتل السكان بتلوث الهواء وازدحام المدن، وما يحمل ذلك من أمراض أصبحت معروفة، والتأثير على التغير المناخي الذي يجادل حوله العالم بكثرة وبخوف، أو الاهتمام بالتهديد الوجودي الخارجي والذي أصبح معلناً، وعدد من القضايا الأخرى المهمة والتي أصبح لها أولوية قصوى في مجتمعاتنا وعنوانها الأوسع «قضايا التنمية والاستدامة والاستقرار».
أمام كل تلك التحديات يُفرض على المجتمع أن ينشغل بما هو جانبي ويضخّم هذا الجانبي إلى حد يشعر فيه أن الناس سوف تنقلب إلى «مثليين» في القريب العاجل، دون وجود مثل هذه الإعلانات، أنها مشاركة في التضليل لنقل المجتمع إلى مكان يتقبل فيها أن تلك الفئة من الناس، هي القادرة وحدها على حماية المجتمع من الشرور الشاخصة وهي في الحقيقة تجرّه إلى المنطقة العمياء.
حقيقة الأمر، أن القيم العامة ليست مهددة لا من المثلية ولا من غيرها من الشاذ غير المقبول والناس يختلفون فيما هي القيم المركزية والثانوية، ولكن هناك سلوكيات متفق عليها لدى الأغلبية، وسلوكيات أخرى تنفر الأغلبية منها نفوراً شديداً، ومنها موضوع المثلية، وهي قضية حتى في مجتمعات غربية كثيرة غير مستوعبة ولا مهضومة، بل مُجرّمة، كما حدث أخيراً في البرلمان الإيطالي، كما أنها في مجتمعاتنا الشرقية مستنكرة ومرذولة، فلماذا كل تلك الضجة؟
الحجم الذي تأخذه هذه القضية منذ المونديال في قطر وتداعيتها في مدن الخليج، هو حجم لافت للنظر في ضخامته، هناك قوى سياسية استغلت ذلك الاشمئزاز الجمعي لتمرير أجندتها، وهي حرف المجتمع عن قضاياه المركزية التي أشرنا إلى بعضها، وبالتالي خلق رأي عام يُستند إليه لإرهاب الآخرين، وإظهار سيطرة وشوكة تلك المجاميع على المجتمع، كما حدث في «زوبعة المارثون» في الكويت والتي كتب عنها وتحدث فيها الإعلام العربي والدولي.
شيء من إظهار الشوكة والسيطرة على الرأي العام وتوجيهه وخلق قضايا جانبية تشغله وكأنها تهديد وجودي، في حين أن التهديد الوجودي كامن في تدني مستويات التعليم واستمرار برامجه في التدهور، ونقص شديد في برامج التوعية في الإعلام، وضمور في المناعة الثقافية العامة، فجعل قطاع كبير من الجمهور متحمساً للموضوعات المثيرة والعاطفية الذي تقدم له وكأنها أولويات، يصرف النظر بالضرورة عن النقاش في القضايا الأساسية الماثلة للتهديد، والخطرة على المهمات الوطنية المستحقة.
من الأولويات المنصرف عنها تأمين الأمن القومي للمنطقة في ظل ظرف عالمي دقيق ومتغير، فمن جهة لم تعد حدود الدول المستقلة آمنة، بعد سابقة حرب روسيا على أوكرانية والتي تدق على باب الاستقرار العالمي بشدة من الناحيتين الجيوسياسية والاقتصادية، كما أن التشابك الاقتصادي في انفتاح الأسواق على بعضها واعتمادها المتبادل مقرون بثورة الاتصالات والموصلات واحتمال تدني أسعار سلعة النفط في السوق العالمية، وارتفاع أسعار الغذاء والأجهزة المصنعة، تحتم أن يكون الأمن الإقليمي العربي في الخليج اقتصادياً وسياسياً أولوية للنقاش لدى الجميع، خاصة بعد أن أعلن السيد خامنئي وهو رجل القرار في إيران، أن «المجال الحيوي لبلاده يمتد من العراق إلى لبنان إلى اليمن مروراً بسوريا»! ذلك إعلان لأول مرة يكون بتلك الصراحة والوضوح، وإذا لم يدق ذلك جرس الإنذار في عواصم الخليج والنقاش العام، فمتى يا ترى يدق! ولأي الأسباب يحرف النقاش العام عن تلك القضايا؟
من هنا القلق الذي يصيب المتابع من نقل نقاش الأولويات المهمة والخطيرة والمؤثرة في صلب البقاء إلى ملفات يراد بها أن تصعد إلى الأولوية في أجندة المجتمع، وهكذا يدخل الجميع في نقاش جنس الملائكة - إن صح التعبير - وصرف الجميع عن قضايا مركزية وحيوية، والعجيب أن من يقرأ عن أسباب ضعف وتدهور المجتمعات هو تعظيمهم وانشغالهم بالجانبي وترك القضايا الأهم تتلاشى وكأنها غير موجودة.
آخر الكلام:
إذا اردت أن تأخذ الحمقى إلى التهلكة... أغرقهم بالأوهام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أولويات طائشة أولويات طائشة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon