توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

طريق الصهيونية المسدود!

  مصر اليوم -

طريق الصهيونية المسدود

بقلم: محمد الرميحي

القضية الفلسطينية لكثيرين فيها شحنة من العاطفة تتغلب على الكثير من التفكير السليم، وربما لأول وهلة قد يبدو العنوان أعلاه في خانة العواطف، إلا أنه احتمال افتراضي نتيجة قراءة التاريخ. لقد عانى معتنقو الديانة اليهودية في الغرب الحديث الأَمرَّين، وكانت قمتها إبادة اليهود في أفران الغاز في ألمانيا النازية؛ عمل بشع في جبين الإنسانية، إلا أن ذلك النظام القاسي سقط في نهاية الأمر، ولُعن في التاريخ إلى يومنا بسبب تطرفه.
مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وما أُعلن من خطط لها تجاه الفلسطينيين، فإن أعمالاً شنيعة متوقعة ضد الشعب الفلسطيني تختلف في النوع عما لاقاه اليهود على يد النازية، ولكن ليس في الدرجة، فالتوجه إلى عنصرية كريهة وحصار، قد يقود إلى حرب إبادة قادمة.
ما يعني أغلب المتابعين هم «عموم الشعب الفلسطيني» الذي سوف يوضع في «غيتو» له حارس لا قلب له يشابه حراس معسكرات الاعتقال النازية، وهذا لن يكسر إرادة الفلسطيني في المقاومة، كما لم تُكسر إرادة اليهودي في مقاومة الاضطهاد النازي، ذلك الافتراض هو الذي قد يقود إلى أن تدمر الصهيونية نفسها من خلال الغلو ضد الإنسانية.
مساحة الاحتمالات واسعة فيما سوف يحل في إسرائيل وعلاقتها بعموم الشعب الفلسطيني، إلا أن الحكومة الجديدة توافقت عليها الرؤى أنها «أكثر حكومات إسرائيل تطرفاً ويمينية».
بنيامين نتنياهو ليس بالرجل الهين أو الساذج سياسياً، ولكنه كمثل معظم السياسيين، يعشق السلطة، وفي وضعه القانوني الشائك يرغب أن يُعدل بعض النصوص القانونية السائدة كي تنسجم مع حالته؛ لذلك فإنه يستثمر «الخوف» الإسرائيلي للكثير من شرائح المجتمع، ويتحالف مع أعتى المتطرفين ليحقق ما يصبو إليه... هنا الاحتمالات متعددة: هل يساير نتنياهو المتطرفين ليحصل على ما يريد من تعديلات قانونية تضعه على بر الأمان، وبعدها «يكبح جماح» أو «يبرر التراجع» بموقف دولي، مع السماح للحد الأدنى من مشروع المتطرفين بالنفاذ، أو يترك الأمور تتفاقم حتى تنفجر؟ كلا السيناريوهين محتمل، لكن لنفترض وقوع السيناريو الأسوأ، وهو ذهاب المتطرفين إلى تنفيذ أقصى طموحاتهم في «تطويق الفلسطينيين، ونهب أرضهم، وأيضاً قتل أكبر عدد منهم».
في هذا السيناريو لن يتوقف الفلسطينيون والعرب وكل محبي السلام في العالم، بل وحتى شريحة وازنة من الإسرائيليين، في مقاومته بكل ما هو متاح من وسائل، ولعل المظاهرات التي صاحبت حلف اليمين للحكومة الجديدة، بل والاحتجاجات داخل «الكنيست» أثناء أداء اليمين، تؤشر على ما يمكن أن يحدث في المستقبل على نطاق أوسع.
من تعليقات الإسرائيليين في الداخل ومناصريهم في الخارج، نلحظ التخوف، بل الرعب من أن «يحاصَر الفلسطينيون دون منفذ»، فذلك يعني ردود فعل واسعة، وقد تكون عنيفة تُدخل الجميع في دوامة العنف، وذاك يُقرب كثيراً من «تدمير الصهيونية لنفسها»، كما يرى بعض المتابعين.
على المدى القصير سوف نشاهد «كباشاً» بين القوى المشكلة للحكومة الجديدة، بين من يرغب في «قضم الجبنة» قطعة بعد قطعة (نتنياهو و«الليكود»)، وبين التهامها فوراً (قوى التشدد الديني والصهيوني)؛ الأول سوف يحاول التسويف، والثاني يضغط للتنفيذ الفوري.
ردات فعل الفلسطينيين تحتمل اثنين: الأول أكثر قرباً للواقع، بأن يكون هناك ردة فعل عاطفية و«مزايدة» تدين الجميع (التطرف الإسرائيلي)، بل وحتى بعض علاقات العرب، وهي ردات فعل عمياء - مع الأسف - تاريخياً تم التعود عليها. أما ردات الفعل الأقرب إلى الموضوعية، فهي من عدة مسارات في الداخل والخارج، منها في الداخل «البحث عن زعيم إسرائيلي يشابه فردريك دوكليرك في جنوب أفريقيا» والتحالف معه - أي شخص - ومجموعة ترى أن الأفضل للبقاء هو «المشاركة» من نوع ما. وعلى الصعيد الخارجي، استنفار كل القوى (من دون معاداتها)، أو «الانحياز» لأي طرف في الصراعات الدولية أو الإقليمية من أجل أخذ موقف حاسم من التطرف، والأخير يحتاج إلى حصافة ورؤية وخطط واقعية لتنفيذها.
يفرق دارسو تاريخ الشعوب بين نوعين كبيرين من سلوك الأمم: «شعوب تعيش في التاريخ»؛ أي تفرض على نفسها ذلك الثقل من التراث والأساطير التي تبعدها عن التعامل مع الواقع، وتسجن نفسها في الماضي، وشعوب تعيش «ما بعد التاريخ»؛ أي تترك مجالاً واسعاً للتفكير في القضايا التي تواجهها بحرية في المناورة والتفكير العلمي، من دون عقبات من الخرافات الوطنية التي هي «تابو» لا يلمسه أحد.
في حال اليمين الإسرائيلي، «تلك المجاميع» «تعيش في التاريخ» وتتغذى بأطروحاته القريبة إلى الخرافة، وبالتالي تبتعد عن أفكار «الصهيونية الليبرالية» التي مهدت لقيام إسرائيل، ومن ثم قبولها في العالم! كان لها سقف عالٍ من «تبرير المصلحة»، والاستفادة من أخطاء «العدو» وتضخيمها، كالقول إنها نقطة «ليبرالية» صغيرة في بحر من العداء «الشمولي»! الارتهان إلى التاريخ يولج المجتمع الإسرائيلي في تهيؤات تماثل تهيؤات هتلر في حكم العالم!
بالطبع لا يمكن أن تكتمل الصورة من دون الإشارة إلى تحليل كتلة وازنة من القيادات الإسرائيلية، سواء الأكاديمية أو السياسية، التي تقول إن «شهر العسل قصير» بين مكونات هذه الحكومة، فإن ذهبت إلى التطرف؛ يعني عزلة إسرائيلية دولية، ومخاوف أكبر وأعمق للمواطنين الإسرائيليين، وأن حلم «توسيع العلاقات مع العرب» سوف يخرج من الأجندة، بل وقد تتأثر العلاقات القائمة، لذلك يذهب هذا السيناريو إلى أن الوفاق داخل الحكومة الجديدة لن يطول!
الانتقال الفلسطيني إلى «ما بعد التاريخ» - إن صح القول - ضرورة، والتفكير في استراتيجية ترتكز على ثلاث: الوحدة الفلسطينية، ووحدة الفلسطينيين في الداخل الإسرائيلي، وجبهة مشتركة مع المتضررين من الإسرائيليين من الحكومة اليمينية، مع سحب كل الذرائع التي قد تلجأ إليها تلك الحكومة لتبرير سلوكها الشائن، ربما ذلك يحتاج إلى التنادي لورشة عمل تجمع كل الفرقاء الفلسطينيين، ومع الأسف فإن هذا السيناريو غير محتمل التحقيق.
آخر الكلام:
«النملة إذا طلع لها ريش دنا زوالها»... لا أعرف إن كان هذا قولاً مأثوراً أم شعبياً، ولكن من وحي التطورات لزم التذكير به.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طريق الصهيونية المسدود طريق الصهيونية المسدود



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon