توقيت القاهرة المحلي 20:10:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حدود المناورة للنظام الإيراني!

  مصر اليوم -

حدود المناورة للنظام الإيراني

بقلم : محمد الرميحي

  في استعراضها للأزمة القائمة نتيجة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي «5+1»، ذهبت مجلة «إيكونوميست»، العدد الماضي، إلى القول إن هذه الأزمة قد تقود إلى حرب. وأخذاً بتاريخ تلك المطبوعة ومنهجيتها في الاستقصاء، فإن الافتراض قد يكون جدياً، وقد يعتمد في الأسابيع والأشهر المقبلة على طريقة لعب الأطراف لمعطيات هذه الأزمة؛ معالجة أو مصادمة. كما وصف العملية حسين موسويان، القريب من النظام الإيراني، في مقالة سريعة له على موقع مجلة «فورين أفيرز»، بأنها «كارثة استراتيجية».

أمامنا على الأقل نظريتان تتجاذبان أطراف المعادلة، لتفسير ما بعد الخروج من الاتفاق، ودور مجموع اللاعبين فيها؛ الأصليين والثانويين:

الأولى تقول إن أي «ثورة» في العصر الحديث، في وقت ما تتحول إلى «دولة»، وإلى هذه النظرية ذهبت أطراف عدة في الغرب لسبر طريق «الاسترضاء» للنظام الإيراني، وقد كان على رأس الاسترضاء ما اتخذته إدارة الرئيس باراك أوباما من خطوات، أقنعت شركاءها في الغرب والشرق، حيث توصلت إلى اتفاق يوليو (تموز) 2015، لأن ذلك الاتفاق قد يرضي «غرور» النظام الإيراني، ويسمح لقوى «معتدلة» على مر زمن معقول، بأن تتصدر المشهد السياسي وتضبط تصرف النظام، بعد الاطمئنان إلى نيات إيجابية من الغرب للتحول إلى الدولة المسؤولة، وإن البديل، تقول تلك النظرية، أي المقاطعة والضغوط، سوف يدفع «كل الشعوب» الإيرانية لتأييد النظام، فيكسب المتشددون!

حقيقة الأمر أن إدارة أوباما لم «تكتشف» ذلك الطريق. لقد جرب الغرب، هذه المرة ممثلاً في فرنسا، ومنذ زمن، أن يسير مع تلك النظرية، في لقاء كمال خرازي ودومينيك دو فليبان، عام 2003، وكان كلاهما وزيراً للخارجية، حصل شيء من الاتفاق، كان ذلك في الثلث الأخير لولاية السيد محمد خاتمي، ولكن لم يكن الأول، وتوصل الجانبان وقتها إلى أن تقوم فرنسا بكبح المعارضة الإيرانية على أراضيها وتوسيع العلاقات الاقتصادية، فقد راهن كثير من ساسة الغرب على «احتمال اعتدال» النظام الإيراني في فترة حكم ثلاثة على الأقل من رؤساء الجمهوريات السبعة الذين وصلوا إلى سدة الرئاسة، إلا أن كل تلك المحاولات كانت بقعاً عمياء باءت بالفشل، لسبب جوهري، هو الطبيعة الآيديولوجية المبني عليها النظام الإيراني، وهي طبيعة لا تقبل بشكل عام المرونة، حيث تحمل قناعة متأصلة بأن أعمالها موجهة من الرب، وأي ليونة تعني انهيارها في نهاية المطاف.
النظرية الثانية ترى أنه بعد كل هذا التاريخ الطويل من الحكم الآيديولوجي في إيران ذي الطبيعة القطعية، فإن الشعوب الإيرانية لن تتصرف كما تصرفت في حرب السنوات الثماني (1981 – 1988) أي التحلق حول النظام وقت الشدة، وحتى ذلك الوقت الذي امتزج فيه الشعور القومي بالآيديولوجي، كان وراء التحلق أعمال زجرية وقمعية وشعارات، جعلت من المعارضين للنظام أو المترددين «خونة يجب سحقهم»، وهذا ما تم في التصفيات والمذابح الهائلة والموثقة «مجازر» في أدبيات كثيرة، بعد انتهاء الحرب مباشرة. وتذهب هذه النظرية للقول إن طائفة كبيرة من الشعوب الإيرانية لم تعد مقتنعة بالنظام، والدليل أنها انتفضت بعد إعلان انتخاب محمود أحمدي نجاد للمرة الثانية عام 2009، وقد كان هتاف المتظاهرين مترجماً إلى العربية: «اسمع اسمع يا أوباما... انت معاهم والا معانا»! ومنذ أشهر في مدينة أصفهان، وهي مدينة محافظة، خرجت مظاهرات تقول: «عدونا هنا... كذب أن يقال أميركا». أما في مدينة كازرون، فقد كان هتاف المتظاهرين: «لا تدفعونا إلى أن نحمل سلاحنا».

هذا الشعور الشعبي المعارض والمتنامي من الطبيعي أن يتوسع بعد 4 عقود من السياسات المؤدية إلى حروب وفقر وصرف أموال في الخارج على وكلاء تابعين، ونشوء جيل مختلف تماماً، يتذكر آباؤه الحكم ما قبل الديني على أنه حلم جميل! من هنا، فإن أي صراع قادم كبير وحاسم، ولن يجد النظام مؤيدين كثراً له في الداخل، بل ربما يكونون مرحبين بزيادة الضغوط الخارجية للتخلص من النظام.

المناورة التي يتبناها النظام في الوقت القصير تعتمد على عدد من الخطوات، منها محاولة جلب الدول الغربية إلى صفِّه في الصراع مع الولايات المتحدة، وهي محاولة قد تفيد جزئياً في المدى القصير، أما في المديين المتوسط والطويل، فإن شروطاً ما سوف تُقدم إلى طهران من أجل تنازل ما في الملفات المطروحة ثمناً لذلك التأييد. ومن جانب آخر، فإن المصالح التي تربط أوروبا بالولايات المتحدة أكبر وأهم في المديين المتوسط والطويل من أي مصالح اقتصادية تربطها مجتمعة بإيران. وقد سمع وزير الخارجية الإيراني كلاماً في زيارته الأخيرة لأوروبا يقول: «نحن نفهم المشكلة، ولكن...»، ولن تذهب روسيا، التي تعاني من ضغوط ومقاطعة اقتصادية غربية، بعيداً مع طهران. أما الصين التي تسعى جاهدة للتعاون في ملف كوريا الشمالية مع الولايات المتحدة، فإن مصالحها هناك أكبر من أن تربطها بالوقوف مع النظام الإيراني. حدود المناورة إذن تضيق على النظام الإيراني، بل وحتى الكلام الدعائي تجاه إسرائيل، عرف الجميع حدود مناورة النظام الإيراني في هذا الملف، فإرسال صواريخه من سوريا «حفظاً لماء الوجه» ليس للأراضي الإسرائيلية؛ بل إلى الجولان فقط! يعني «حدود القدرة»، أما التهديد بعودة التخصيب، فإن الكلام فيه شيء من اللغو، لأن ذلك سوف يقطع مع أوروبا إن حدث، وربما روسيا والصين، ولن يكون للجميع حجة للدفاع عن ذلك الموقف، أي إنه كمثل إطلاق النار على النفس، وسوف يحتم ردود فعل قد لا تكون محسوبة لدى النظام أو حتى متوقَّعة. بقي استخدام بعض العرب الموالين لطهران في كل من سوريا والعراق واليمن وبعض الجيوب المنتشرة في أماكن أخرى، من أجل إثارة بعض الشغب، وهو احتمال ممكن لأن الدم العربي رخيص في نظر النظام الإيراني، كما ثبت مراراً، إلا أن هذا الاستخدام سوف يكون محدود الأثر ومكلفاً في الوقت نفسه.

وفي النهاية؛ الطريق المفتوح هو العودة إلى التفاوض، الذي له قاعدة ثلاثية كما هو معلن: لا سقف زمنياً للعودة إلى التخصيب الكثيف - لا تطوير للصواريخ الباليستية - لا للتدخل في الجوار. هذه الشروط تسقط نظرية السيد علي خامنئي: «نحارب في الجوار حتى لا نحارب في طهران»!

البنوك الدولية وشركات الشحن وكثير من الشركات العالمية، بدأت تعيد حساباتها بعد التطورات الأخيرة تجاه طهران، لأن قرار الانسحاب من الاتفاق، تضمن أيضاً مقاطعة كل الدول والشركات التي سوف تتعامل مع طهران بعد فترة سماح قصيرة؛ التومان الإيراني (كان يسمى «ريالاً» ثم عاد إلى «تومان») شهد تراجعاً كثيفاً في سعره، مع ارتفاع كبير في التضخم، الذي يؤثر على معيشة قطاع واسع من الشعوب الإيرانية، حتى التحول إلى اليورو، من خلال تصرف شكلي لا معنى حقيقياً له، لم ينقذ صرف التومان من التدهور.

من جهة أخرى، فإن حركة المقاومة الإيرانية للوضع القائم متجذرة لدى الشعوب الإيرانية، وذلك عامل يمكن حسابه في انتظار التحول المتوقع جراء العزلة الاقتصادية. وعلى الرغم من القصور الذاتي لـ«الديمقراطية» الإيرانية، حيث يقوم مجلس غير منتخب (مجلس صيانة الدستور) بتمرير أو وقف أي تشريعات صادرة من البرلمان «وهو بذاته محدود الترشح له»، فإن الانتخابات البرلمانية 2020 والرئاسية 2021، سوف تكون محطات لمعرفة تغير المزاج الشعبي الإيراني كمؤشر على تأثير المقاطعة، ومن هنا حتى الأربع والعشرين شهراً المقبلة، ليس أمام النظام في طهران إلا القبول بالتفاوض من جديد أو مواجهة العالم! إلا أن حقيقة تبقى؛ هي أن هذه الأزمة متدحرجة وقابلة للتغيرات الجذرية في كل يوم.

آخر الكلام:

يوم 10 مايو (أيار) الحالي أرسلت القوات الإيرانية 30 صاروخاً من الأراضي السورية على هضبة الجولان! 4 وقعت على أرض فضاء، والباقي فجّرتها القبة الحديدية في الجو! دليل آخر على القصور، وأن تكرار الكذبة عدداً من المرات لا يحولها إلى حقيقة!

نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حدود المناورة للنظام الإيراني حدود المناورة للنظام الإيراني



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon