توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كارثة 2022!

  مصر اليوم -

كارثة 2022

بقلم: محمد الرميحي

ونحن نستقبل عام 2023 بأمل نودع عام 2022 ونحمل معه كارثة مستمرة هي ربما أكبر تأثيراً حتى من كارثة كوفيد-19 التي حلت بالبشرية. ومهما قلنا عن الكارثة الأخيرة، إلا أنها من أفعال الطبيعة في الغالب ولها مضادات اجتهدت البشرية في السعي الحثيث إلى استنباطها. أما الكارثة الأكبر فهي الحرب الروسية الأوكرانية، وهي حرب إرادات بشرية وقناعات صلبة لا يمكن بسرعة إيجاد ترياق لها.

هناك عدد من وجهات النظر لتفسير هذه الحرب التي تشارف بعد أسابيع على دخول سنتها الثانية، وكل تفسير له حججه وقناعاته، وبخاصة السياسية، إلا أن ما تتركه تلك الحرب هو تأثير عميق في العلاقات الدولية وفي مصادر الغذاء العالمي والطاقة والتجارة العالمية، ويتعثر العالم في خضم تضخم لا يمكن تجاهله مهما كان الموقف السياسي منها أو من مسبباتها.

لعل الشخص الأكثر تأثيراً في هذه الحرب (وكل الحروب التي شهدها العالم تكاد تكون شخصية وقناعات) هو فلاديمير بوتين الذي سيمر عليه في الحكم المباشر لروسيا الاتحادية نحو اثنين وعشرين عاماً.

في آخر يوم من 1999 تحدث بوريس يلتسين الرجل المريض، وفي الغالب المخمور، وأول رئيس للاتحاد الروسي، بعد انفراط عقد الاتحاد السوفياتي، إلى الشعب في مساء متأخر، وقال إنه قرر التنازل عن السلطة واختيار مساعده الأقرب فلاديمير بوتين الذي قال إنه اختاره من بين عشرين شخصية، لأنه وجد فيه الخليفة الذي سيكمل المسار.

المسار كان من عام 1990 حتى عام 1999. هو مسار باتجاه فك الاشتباك مع فلسفة الاتحاد السوفياتي (الاشتراكية) التي راكمت الكثير من السلبيات حتى وقتها إلى مسار الانفتاح وقوانين السوق. في تلك العشر سنوات تبلور الكثير من المشاريع الخاصة في كل النشاطات الاقتصادية والخدمية، بعدما انفصلت عن الاتحاد الروسي الكثير من القوميات التي كانت تدور في فلكه، ونظر إلى ذلك الانفصال في الغالب على أنه تحقيق مصير للشعوب.

ظهر رجال صناعة ورجال إعلام ورجال خدمات. كل هؤلاء أسسوا الكثير من المشاريع الاقتصادية، وعند تقاعد يلتسين تقرر إجراء انتخابات عامة لاختيار الرئيس القادم، وهكذا في آذار (مارس) من عام 2000 فاز فلاديمير بوتين على منافسيه بغالبية بسيطة بلغت نحو 52% من الأصوات وأصبح الرئيس.

كان متوقعاً أن يكمل الرئيس الجديد طريق معلمه السابق يلتسين، ولكنه ما لبث أن فارق ذلك المسار شيئاً فشيئاً. كانت حرب الشيشان الأولى قد وضعت أوزارها موقتاً مع الكثير من الضحايا، واتضح أن الرجل الجديد له طموحات مختلفة، بل مفارقة للفلسفة التي أوصلته إلى الحكم. كان لديه حنين إلى الماضي (قد يكون مرضياً)، فقام بإعادة العلم الأحمر إلى الجيش الروسي وإعادة السلام الوطني السوفياتي، فأصبح للدولة الجديدة علمان أصلي وفرعي، ونشيدان وطنيان أصلي وفرعي!

المجموعة التي كانت حول الرجل وشكلت مكتب الدعوة له في فترة ما قبل الانتخابات وما بعدها واعتقدت بليبرالية روسية جديدة، سرعان ما انتهى معظمها إلى المعارضة، ولكنها لم تبق كذلك، فكثير من الرجال والنساء في تلك المجموعة قُتلوا بطريقة غامضة، حتى في مدن بعيدة مثل نيويورك وغيرها، وأمّم الرجل معظم النشاطات الخاصة، بما فيها الإعلام الذي كان مستقلاً وناقداً، كما حطم بقوة الدولة رجال المشاريع الكبيرة في النفط والتجارة الداخلية، وبعد فترة مراوحة بين رئيس وزراء ورئيس للدولة، استقر الامر على أن يكون الرئيس الدائم!

مشروع الرئيس الدائم يستعصي التحقيق، وهو إعادة الاتحاد السوفياتي الذي تربي في ظله إلى الوجود، ولكن من دون أيديولوجيا اشتراكية، هذه العقيدة شبه المستحيلة أخذته إلى استرجاع بعض الأراضي في جورجيا وأيضاً جزيرة القرم، وتوسع الأمر للتدخل العسكري في سوريا وتنظيم ميليشيا عسكرية (مجموعة فاغنر) للتدخل في بعض بلدان أفريقيا.

نظر الغرب إلى تلك التدخلات على أن الرجل يحب أن يكون أمام شعبه الرجل القوي، وأنها غير ضارة بالمصالح الغربية، حتى جاء موضوع أوكرانيا.
في الغالب كانت المراهنة في أوكرانيا أنها عملية عسكرية ستنتهي بسقوط العاصمة وتثبيت حكومة موالية لموسكو، كما حدث في الشيشان، وحتى الغرب اعتقد ذلك، إلا أن مقاومة الأوكرانيين قلبت المعادلة رأساً على عقب، ووجد الغرب أن مساعدته ستحقق ما كان يرجوه وهو منع فلاديمير بوتين من التمدد أكثر، وكلما طال الزمن في الحرب التي تقتل البشر وتهدم الحجر، استنزفت القوة الروسية وتصاعدت المعارضة للحرب في الداخل، ولكن ليس من دون ثمن على الغرب، فقد صرف الغرب حتى الآن أموالاً طائلة واحتمل الكثير من المصاعب الاقتصادية، وهي تتفاقم كما نشاهد في العواصم الغربية.

لذلك فإن حرب أوكرانيا يصح أن تكون كارثة 2022 وربما ما بعدها، لأن الرجل في الكرملين ما زال يحلم بأمجاد المرحلة السوفياتية ولا يتوفر ما توفر لها في السابق كي تعود، والغرب مصر على تلقينه الدرس، بأن العالم لا يمكن أن يتسامح أكثر مما كان في العشرين سنة الأخيرة مع طموح لا يبدو أن له هدفاً معلناً وواضحاً.

الهدف المعلن التخلص من النازيين في أوكرانيا، وترجمته التخلص من الحكومة القائمة بوضع حكومة جديدة موالية لموسكو، وذلك، بعد هذه الفترة من الحرب، يبدو شبه مستحيل، لأن معظم الشعب الأوكراني أبدى ولاءه للحكومة القائمة وقاوم.

آليات التفاعل المنتظرة هي من جزءين: داخلية في الاتحاد الروسي، وخارجية في رسم خريطة طريق للخروج من هذا المأزق، كلاهما يتطلب النزول من أعلى شجرة التمنيات إلى أرض الواقع، وهي في السياسة عملية ليست هينة، إلا أن صناعة الحرب هينة والبطولة في القدرة على صناعة السلام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كارثة 2022 كارثة 2022



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon