توقيت القاهرة المحلي 14:42:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تمرين في الذكاء السياسي!

  مصر اليوم -

تمرين في الذكاء السياسي

محمد الرميحي
بقلم -محمد الرميحي

هل النظام الإيراني لديه ذكاء سياسي مفرط؟ وهل أصحاب الذكاء السياسي ممكن أن يقعوا في شر أعمالهم؟ لدى تصفح كتاب وزير الخارجية الإيراني الحالي السيد حسين أمير عبداللهيان والمعنون بـ«صُبح الشام» والصادر في بيروت من منشورات «المحجة البيضاء» يقف القارئ متعجباً لماذا يصدر هذا الكتاب في هذا الوقت؟ واصفاً جهود الجمهورية الإيرانية الحثيثة في الجوار العربي المباشر، العراق، سوريا، لبنان، الخليج وما حول هذا الإقليم، بأنها «سياسية تدخلية»!

البعض يرى أن نقد السياسة للجمهورية الإيرانية هو نقد «للمذهب الشيعي»، وقد آن الأوان لأهل العقل أن يقتنعوا بان السياسة الإيرانية ليست«مذهبية» بقدر ما هي «قومية» مع الاعتراف بأن معظم سكان إيران هم من الطائفة الشيعية، ولكن في المقابل ليس كل الشيعة إيرانيين او موالين لإيران، ونقد السياسة «للعقلاء» بالتأكيد ليس نقد المذهب!!!

ما بين يدينا هو بعض من ملامح مشروع إيراني قومي للتوسع في الجوار، هكذا يتوجب أن يفهم، مع الموافقة أنه يستخدم ذكاءً في الخطاب يمرره على الكثيرين بأنه «يدافع عن الشيعة»، وأن عدوه في المنطقة هو «الشيطان الأكبر الولايات المتحدة وتابعتها إسرائيل»، وما يحلو للنظام أن يسميهم تابعين لذلك المعسكر، وغير المنتمين إلى «محور المقاومة»!، والأخير لا مانع «بين فترة وأخرى» أن يتعامل مع الشيطان الأكبر إذا اقتضت المصلحة!!

من حق إيران أن تصنف ما تريد، وتتبنى من المفاهيم ما يناسبها، وأيضاً من حق الآخرين أن يضعوا سياستها تحت منظار التحليل الفطن، لذلك يكشف لنا الوزير في كتابه الكثير من محاولات «التربيط» بين النقيض والنقيض، فيصف مثلاً محاولاته الصعبة مع رئيس مجلس النواب التونسي السابق «الغنوشي» بأن يدعم الوضع في سوريا، والأخير يعارض منطلقاً من موقفه الآيديولوجي الرافض للشمولية السياسية والمتعاطف مع الثورة السورية، هنا «المصالح الإيرانية» هي البوصلة وليس الحق في مواجهة الظلم، كما يشير إلى أن «الربيع العربي» هو ثورة في وجه المشروع الأميركي والإسرائيلي، وهو ثورة إسلامية على غرار الثورة الإيرانية، ما عدا الثورة السورية فهي «ثورة مضادة»!!

يتبين للقارئ أن هناك «انسداداً نظرياً في الخطاب الإيراني، يخلط الدين بالسياسة».

التفوق الذي يشعر به عبداللهيان لا يخفى، فقد تمثل في قمة بغداد التاريخية في صيف عام 2021 التي دعا إليها مصطفى الكاظمي رئيس وزراء العراق وقتها، ورئيس الجمهورية الفرنسية، وحضرها كثير من قادة الإقليم، إذ أصر حسين أمير عبداللهيان على الوقوف في الصف الأول عند التقاط الصورة التذكارية، وكل وزراء الخارجية نظرائه الذين حضروا كانوا في الصف الثاني، كما يلزم البروتوكول، ولم يستطع أحد من الرسميين العراقيين أن يتخذ موقفاً من تصرفه، لقد كان ذلك إشارة إلى ما اعتقده «هيمنة» على السيادة العراقية. الوزير يشير في كتابه إلى جهد قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» في إنشاء ورعاية ميليشيات مسلحة في كل من العراق وسوريا خصوصاً من أجل حماية «الأماكن المقدسة»! في البلدين، مع العلم بأن تلك الأماكن لم تكن مهددة في أي وقت في التاريخ الحديث!

السياسة الإيرانية تحمل ثنائيات متناقضة لا يخطئها الحصيف، ولكن كان تناقضها مخفياً عن البعض، حتى أحداث غزة الأخيرة، فكشفت الأزمة تلكم الثنائيات للعامة، حيث إن بوصلة السياسة الإيرانية هي مصلحة إيران، لا بأس من استخدام بعض الأذرع العربية التابعة، ولكن من دون اشتباك مباشر، وتبين أن وظيفة أفكار «الثورة» هي وظيفة تضليلية، فما ينتمي إلى عالم «الأقوال» عندهم، ليست له علاقة بعالم «الأفعال».

يصف عبداللهيان قاسم سليماني بصفات «خارقة»، ويحمل له امتناناً واضحاً عندما أصر سليماني أن يبقى عبداللهيان في مكانه منسقاً للشؤون العربية، عندما قرر جواد ظريف وزير الخارجية وقتها إزاحته من ذلك المنصب، ويصف علاقات سليماني السياسية والعسكرية بل وحتى الثقافية، بأنها واسعة ومتشعبة، وأنه كان الشخص الذي أقنع فلاديمير بوتين بالتدخل العسكري في سوريا؛ لأن «العدو مشترك»، يقصد الولايات المتحدة! أما قتل سليماني فيراه المؤلف بأنه كان «لقطع الطريق» على تفاهم سعودي - إيراني! يبدو أن بطل عبداللهيان هو سليماني، ويرغب في أن يقوم بدوره!!

اللافت في الكتاب ذكر عبارة لها دلالاتها وهي الإشارة إلى البحرين، والتي عانت من التدخل الإيراني في شؤونها الداخلية إلى درجة أنه في سبتمبر «أيلول» عام 2015 طُرد القائم بالأعمال الإيراني من المنامة بسبب تدخلاته في النسيج الاجتماعي المحلي، ويشير إلى البحرين، البلد المعترف باستقلاله من الأمم المتحدة، وحتى من إيران الجمهورية، بإشارة ملتبسة وهي «جزيرة صغيرة انفصلت عن إيران عام 1971 بسبب سوء تدبير النظام البهلوي»! مثل هذا التصريح من رأس الدبلوماسية الإيرانية الحالية، أقل ما يقال فيه أنه يبين نيات التوسع القومي الإيراني في الجوار.

الكتاب أيضاً يكشف أن «الهوية الإيرانية» في نصف القرن الماضي تتنازع بين الفارسية القومية والمذهبية الشيعية، وهو ما يؤسس لنزاعات مستقبلية من السذاجة عدم التحوط لها.

الأزمة التي يعانيها الخطاب الإيراني اليوم نابعة من الموقف في ما يحدث في غزة، فقد وعدت وشجعت وسلحت وصعدت في الخطاب المناوئ، وعند الاشتباك نأت بنفسها عن كل مفردات الخطاب السابق، بصرف النظر عما يبرره التابعون لها في اللسان العربي، بل حتى بعض الفلسطينيين، أما الجمهور العام الفطن فقد سقطت ورقة التوت أمام عينه، وما المحاولات التي نسمعها إلا تدارك ما قد لا يتدارك!

هل مجمل سردية الوزير عبداللهيان يدل على ذكاء سياسي؟ في كتاب «صُبح الشام» أما كان من المفترض أن يسمى الكتاب بتفاصيل ما جاء فيه «ظلمة الشام»، حيث فضل بقاء فرد لتحقيق مصالح إقليمية على موت بلد، وفناء مجتمع!

آخر الكلام: لا يمكن الخروج من المستنقع السياسي الهائل الذي تمر به منطقة الشرق الأوسط إلا من خلال هدم الآيديولوجيا القائمة على الشعارات اللاعقلانية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تمرين في الذكاء السياسي تمرين في الذكاء السياسي



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon