بقلم: محمد الرميحي
الرد على الرسالة الناصحة للحكومة اللبنانية من الكويت ودول الخليج وبعض الدول العربية والدولية، كان ملخصها «كما ترون... لا نستطيع أن نفعل الكثير...»، والكثير هنا حتى قليل منه هو إنقاذ الاقتصاد اللبناني وبالتالي حال اللبنانيين... وكان جواب الرد... رأيكم «قيد الدرس»! هذا الملف برمته قد لا يكون قد آن أون حله نهائياً، أرادت الورقة أن تكون جزءاً من الحل فحوّلها محازيب «حزب الله» جزءاً من المشكلة.
مشروع «حزب الله» (تجاوزاً)، وهو في الحقيقة مشروع القابضين اليوم على النظام الإيراني، تقود الكثير من المؤشرات إلى أنه قريب إلى الإفلاس. صحيح أن هناك في العراق مثلاً من لا يزال موالياً لطهران، ولكن الصحيح أيضاً أنه يخسر العراقيين، فقد خسر الانتخابات وهو مؤشر مهم، وأيضاً لجأ إلى العنف وهو مؤشر آخر على إفلاس المشروع. ومن يتابع وسائل الاتصال الاجتماعي القادمة من العراق يرى كم من التنمر الحاقد يطلقه مناصرو ذلك التيار على المطالبين بالدولة الوطنية، وكم من السباب يلقاه المتصدون للمشروع التوسعي من أتباع إيران، بل بدأت بعض شرائحهم تنتقل من العنف الفردي إلى العنف الجماعي باستهداف المؤسسات الحيوية العراقية.
في الخليج، سار بعض معتنقي المذهب الشيعي خلف شعارات أطلقت من طهران، بل لجأ بعضهم الآخر إلى هناك ووجدوا بعد حين أن المشروع الذي التحقوا به ليس أكثر من سراب، وعاد كثيرون إلى حضن الوطن حدث ذلك مبكراً، إلا أن اللافت في الفترة الأخيرة أن بدأ بعض النشطاء السابقين من أبناء الخليج والذين انساقوا وراء الشعارات يراجعون الموقف علناً، وقد ظهرت العديد من الكتابات الصحافية والمقابلات التلفزيونية تناقش مراجعة تلك الأفكار، وهو المسار الطبيعي أن حكم العقل هو الذي يسود. إذا كان ثمة منقصات أو إخفاقات في مسيرة الوطن، فإن ذلك يسري على كل المواطنين من كل الشرائح، وتضخيم المظلومية على شريحة واحدة ليس له علاقة بالواقع. فشرائح المجتمع يصيب بعضها زيادة في أسهم المشروع الوطني ويصيب بعضها الآخر نقصاً في هذا المشروع، إلا أنه من غير الحقيقي أن هناك «سياسة معتمدة من الدولة» في التفرقة بين المواطنين في الدولة الخليجية الحديثة. وأي تعظيم لبعض السلوكيات هو خارج عن نطاق الحكم العقلي، وما هو إلا اصطياد للبسطاء، فإن كان ثمة مشروع وطني لا ينهض إلا بكل مكونات المجتمع.
لذلك؛ فإن جهود «حزب الله» ومن ورائه المشروع الإيراني بمحاولة زعزعة أمن واستقرار المجتمع الخليجي باستدراج أو تهيئة منصات لبعض المنتمين إلى المكون الشيعي العربي على أنهم «معارضة» هو طلقة في الهواء، قد يُسرّ بسماعها بعض من حولها، ولكنها لا تصيب. من يقوم بذلك لا يعرف تاريخ المنطقة ولم يقرأ أياً من أدبيات العمل السياسي في القرن العشرين لهذه المجتمعات. فقد أصبح هناك قاعدة شبه ثابتة، أن نجاح أي مشروع وطني يحتاج إلى جميع المكونات الاجتماعية، ويفشل بالضرورة أي مشروع وطني إنْ اعتمد على مكون واحد، وبمجرد ما أن تتجاهل الجناح الآخر فأنت في طريقك إلى الفشل. لذلك؛ فإن حضن الدولة الوطنية والتعامل مع القضايا من داخلها هو المكان الأسلم والأكثر نجاعة في تحقيق الغايات الوطنية. من هنا، فإن «اجتماع الضاحية» ذا اللون الواحد أو حتى المنابر في الخارج المرتكنة على مساعدات أو تمويل خارجي، هي من جديد طلقة في الهواء قد تُسرّ من يسمعها، ولكنها لا تؤثر في مسيرة الوطن، بل تزيد من الاحتقان وقد توظف لدق إسفين الفرقة. لا جدال أن بعض متعصبي السنّة قد استفزوا الآخرين بشيطنة المذهب إما عن جهل أو عن تسييس، استفاد منه المتعصبون في الطرف الآخر، من هنا فإن للفصل بين الديني والسياسي الأهمية القصوى في نزع الكراهية.
فك ارتباط المشروع الوطني العربي عن المشروع القائم في طهران هو أولى خطوات العودة إلى العقل الرشيد وأيضاً النهوض بالأوطان؛ فهو مشروع كما يرى الجميع من دون لبس فشل في تقديم الحد الأدنى من الخدمات والرفاه إلى أهله، بل اعتمد على صراخ آيديولوجي في مراحل أودى بحياة الناس، كما حدث مؤخراً في فتوى تحريم استيراد اللقاحات (الأميركية والبريطانية) من جرائها فقد نصف مليون من الإيرانيين، حياتهم حسب ما تقوله الإحصاءات الدولية.
من هنا، يأتي الاحتفاء بعدد من الأقلام الزملاء الذين كانوا منتمين إلى الإسلام الحركي التابع للفقيه بأن يناقشوا وينقدوا التجربة، هي ليست خيانة للمذهب كما يريد أن يروّج البعض صداً لهؤلاء الشجعان، بل ممارسة حق في النقد والمراجعة، كما المطلوب من حركة «الإسلام الحركي السني» والذين صدعوا رؤوس الجميع بمقولاتهم الخارجة عن العقل باتباع سراب «خليفة المسلمين» محرر القدس الذي قاد مكانه في أحد الاجتماعات رفضاً للموقف من الإسرائيلي، ها هو اليوم يعود لتمجيد العلاقات معها وليس فقط تجديدها!
العودة إلى الصواب يتوجب أن تقابل بالترحاب والتشجيع وأيضاً بالاعتراف أن هناك قصوراً في الأداء الوطني لا بد حاصل في الدولة الوطنية يتوجب على الجميع الإدلاء بآرائهم في محاولة تصويبه، بهذا يُبقى على الجيد مما حققته الدولة الوطنية، وهو ليس بالقليل، وتصويب الخلل من منطلق وطني وليس تابعاً لأي مشروع خارجي. ذلك هو دور النخبة.
إن عدنا إلى مشروع إنقاذ لبنان ورد الدولة اللبنانية التي أصبحت لا حول لها ولا قوة، فإنه نابع كلياً من شعور عربي بمحاولة استرجاع لبنان إلى أهله، أما ما يقوم به «حزب الله» مهما كان لن يضير مشروع الدولة الوطنية التي تتقدم بسرعة في منطقة الخليج.. كل ما يفعله هو إفقار والحط من كرامة وحياة اللبنانيين وفيهم من يعارض وسوف يقاوم.
آخر الكلام:
أفضل ما يقوم به كتّاب مراجعة الموقف أنهم وضعوا قيد الدرس فك الوهم الذي ساد عند البعض والقائل «كي تكون شيعياً تقياً وجب أن تكون تابعاً للفقيه»، أي فك ارتباط السياسة بالمذهب فهي ليست خيانة للمذهب، بل هي ولاء للوطن.