توقيت القاهرة المحلي 05:04:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل يَسلم العراق من التشظي؟!

  مصر اليوم -

هل يَسلم العراق من التشظي

بقلم: محمد الرميحي

يجاور العراق كلاً من تركيا وإيران وسوريا والأردن والسعودية والكويت، خمس دول عيون الساسة فيها على العراق وما يحدث فيه، وما زالت «ليلى في العراق مريضة»، وليس هناك مَن يتوقع الزمن الذي سوف يستغرقه الشفاء. استمرار مرض العراق يؤثر في صحة الدول المجاورة، وقد يُقعد هذه الدول عن الانشغال برعاية خططها التنموية أو يُسبب خرقاً في أمنها.
مجموعة من العناصر المحرِّكة لجرثومة المرض العراقي، لعل أولها التشظي في المكونات السياسية، فهو ليس تشظياً مذهبياً وعرقياً، على سوء ذلك، ولكن أيضاً بين المكونات المذهبية والعرقية نفسها. أولى الظواهر هي هيمنة رجال الدين على السياسة، سواء كانوا المعممين أو القائلين بخلط الدين - المذهب مع السياسة من غير المعممين، وتؤكد لنا المعطيات التاريخية أنه ما دخل رجل دين في السياسة إلا وأفسد الاثنين معاً، فلا هو مُقنع في الأولى، ولا هو قادر على التعاطي المرن في الثانية.
أما العنصر الثاني فهو فقر في الفهم والممارسة السياسية لدى معظم اللاعبين السياسيين، فعلى الرغم من نتائج الانتخابات والتي أعطت التيار الصدري أكثرية نسبية، فإن هذا التيار هلامي قليل الخبرة السياسية كما ظهر في الجلسة الأولى للبرلمان بارتداء أعضائه (نساءً ورجالاً) أكفاناً بيضاء، كأن الأمر معركة! كما أنه تيار وليس حزباً منظماً، فقد انشقّ على نفسه في السابق، وقد ينشقّ على نفسه في اللاحق، حسب مصالح الرؤساء الثانويين، كما أن عدد الأصوات الكلّي الذي حازه هذا التيار أقل من جميع الأصوات التي حازتها مجموعة تسمي نفسها الإطار الشيعي (لا يجمعها غير الولاء لإيران)، ولكن الملاحَظ هنا أنه بسبب عدم الخبرة السياسية لدى قادتها نافس بعضهم بعضاً وفُتت أصواتها فخسر الجميع.
في الجناح الكردي، وعلى الرغم مما يبدو لأول وهلة أن الكرد في العراق (وخارجها) لهم مظلومية واحدة فإنهم مفرّقون على أكثر من جبهة: الحزب الديمقراطي والحزب الوطني، وبينهما أحزاب صغيرة أخرى تنتمي لما يعرف بالإسلام السياسي، والحزبان الكبيران في معركة ضروس من أجل الاستحواذ على الحصة الكردية في الكعكة السياسية - الاقتصادية العراقية، أما المكون السني فهو الأضعف وأيضاً بسبب تشتت مشاربه السياسية والتنافس العشائري داخله، وسرعة اتهامه بـ«الإرهاب» إلى درجة أن الفصيل الموالي لإيران والذي قام بالهجوم على مطار بغداد الشهر الماضي في محاولة لإرباك المشهد السياسي، تبين أنه أجّر شخصاً سنياً لإشعال فتيل الصواريخ التي أُطلقت، لسهولة لصق التهمة بعد ذلك بهذا المكون.
نظّم منتدى الخليج الدولي في واشنطن الأسبوع الماضي ندوة عن بُعد كان عنوانها «العراق، الولايات المتحدة، إيران، الخليج» شارك فيها أربع شخصيات عراقية وكاتب هذه السطور، كان من الواضح أن الأوزان النسبية لهذه الدول في العراق اليوم غير متساوية، فالولايات المتحدة لم تعد بذلك الاهتمام بالعراق لأسباب عديدة منها انصرافها إلى قضايا كونية أكبر وأهم، وبالتالي فإن ثقلها في الداخل العراقي أصبح نسبياً، ومن جهة أخرى ليس لدول الخليج أهداف تريد تحققها لا اقتصادية ولا سياسية، عدا أن يعيش العراقيون بسلام في بلادهم المستقلة، أما إيران فيكفي الإشارة إلى أن قائد «فيلق القدس» زبونٌ دائم في الأشهر الأخيرة على لقاءات ونقاشات القوى العراقية المختلفة لإقناعها بخططه، طبعاً ليس حباً في عيون العراقيين أو نخوة لإنقاذ الوطن العراقي من الانزلاق إلى ما لا تُحمد عقباه، بل وفقط من أجل استمرار الهيمنة الإيرانية التي تكاد تتحول إلى احتلال صُراح.
حتى المفاهيم السياسية التي اخترعها أتباع إيران في لبنان تُنقل إلى العراق بالحديث عن «الثلث المعطِّل» في الحكومة العراقية القادمة، هذا إنْ شُكلت! الأعجب في الظاهرة السياسية العراقية أن حلفاء إيران (إن استخدمنا المفهوم الأكثر دبلوماسية) يتحدثون عن شهامة موقفهم في «طرد الأميركان»؛ إذ قال هادي العامري (موجود على «يوتيوب») إنه سئل وهو في كوريا الجنوبية: «قل لنا كيف استطعتم أن تطردوا الأميركان؟!»، وبنفس الصيغة قال نوري المالكي (وأيضاً موجود على «يوتيوب») إنه سئل في اليابان: «كيف استطعتم أن تطردوا الأميركان؟!»، والاثنان لنقص في الفهم السياسي ومعطيات العصر الحديث، يتعاملان مع جمهور مُغيَّب! أو أقلّه استخفاف بذكاء الآخرين، ولا أعرف كيف أصبحت للاثنان قناعة بأن الكوريين الجنوبيين واليابانيين يريدون التخلص من العلاقة الأميركية التي تدرّ على اقتصادهم مليارات الدولارات، وتحميهم من جيران مفتوحي الشهية؟!
من المعروف تاريخياً أن العراق صعب حكمه، وفي التاريخ الحديث الكثير من الشواهد، وهو صعب المراس على حكم قمعي ديكتاتوري، كما في عصر البعث القمعي، كما هو أكثر صعوبة في العصر شبه الديمقراطي، ولعل الحذاء الطائر والذي استقبل بوش الابن في مؤتمر صحافي يجمعه مع رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي يدلّنا على «حدود الديمقراطية» إن وُجدت، ولكن في اللاحق لم نرَ أحذية متطايرة، بل وجدنا صواريخ تقصد منزل رئيس الوزراء، وأخرى تقصد مطار بغداد ورشاشات تقصد صدور المعارضين وأيضاً مسدسات كواتم الصوت... إنه خلط بين مفهوم الديمقراطية والفوضى!
إذاً ليس غريباً أن تُنتهك المهل الزمنية التي رسمها الدستور (وهو دستور فضفاض كُتب لأهل المدينة الفاضلة) وأيضاً ليس غريباً أن يتأخر تشكيل الحكومة إلى زمن غير محدد.
إذاً ماذا ينتظر العراق وجزءاً من قواه المسيسة مسلحاً ومدعوماً من إيران وينتمي إلى عقيدة سياسية توسعية ثيوقراطية؟!
لا يجوز إهمال احتمال أن ينزلق العراق إلى اشتباك أهلي مرير وطويل يستنزف ما بقى للعراق من طاقة للتحول إلى دولة مثل غيره من الدول. إلا أن هذا السيناريو المحتمل وغير المرجوّ، لن يفلت من شروره الجوار، فارتخاء الدولة العراقية، كما نرى، سببُ نمو المعارضة الكردية - التركية في الشمال ضد الدولة التركية، كما أن الارتخاء سببُ نمو «داعش» في الغرب، كما يمكن أن تستخدم إيران أذرعها العراقية في إشاعة الفوضى في الجوار الخليجي... هل هذا سيناريوا متشائم؟ قد يكون، فقد يُلدغ الفطن من مأمنه!
آخر الكلام:
لي ميون باك في كتابه «الطريق الوعر» وكان رئيس شركة «هيونداي»، كتب أن العراق بلد خالٍ من الفساد (قبل إطاحة النظام السابق). اليوم «النزاهة العراقية» رسمياً فَتحت 119 ألف ملف فساد عام 2021! بينها 54 لأشخاص برتبة وزير!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يَسلم العراق من التشظي هل يَسلم العراق من التشظي



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon