توقيت القاهرة المحلي 14:42:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اتفاق غزة... الأسئلة أكثر من الإجابات!

  مصر اليوم -

اتفاق غزة الأسئلة أكثر من الإجابات

بقلم : محمد الرميحي

مساء الاثنين الماضي، ضجَّت وسائل الإعلام العربية والغربية بخبر جديد عنوانه (موافقة «حماس» على مقترح قطري - مصري لوقف إطلاق النار). الخبر القادم من «حماس» نفسها يضيف أن الموافقة جاءت برعاية أميركية. سرعان ما استجاب للخبر المتحدث باسم لجنة الأمن القومي الأميركية في لقاء مع الصحافيين في واشنطن، ردَّد فيه خبر الموافقة، وامتنع طويلاً عن الخوض في التفاصيل، إلا أن سروره كان واضحاً من لغة جسده. والأمر اللافت ما نقلته محطات التلفاز العربية والأجنبية من احتفالات شعبية في مدينة رفح؛ الملاذ الأخير لأهل غزة والمكتظ بالسكان. تلك الاحتفالات تنمّ عن الشعور الشعبي الغزَّاوي تجاه مجمل ما يحدث، وفرحتهم بقرب التخلص من العذاب، ويبدو الاحتفال على عكس ما تقوله الماكينة الإعلامية الحمساوية، أن الشعب الغزي راضٍ عن أعمالها! وواضح من الاحتفال أنه عكس ذلك!

الأخبار تقول إن «حماس» وافقت على صيغة ما ومتدرجة لوقف إطلاق النار، ولكنَّ الطرف الإسرائيلي متردد (على أقل المستويات تعبيراً) حتى بعد أربع وعشرين ساعة من الإعلان في أن يقبل بتلك الصيغة، ولو افترضنا أنه قَبِلَ، وربما يكون ذلك صعباً أو قريباً إلى المستحيل، فإن مشروع الاتفاق وقتيٌّ، يهمل الكثير من الأسئلة، ويقدم إجابات محدودة فقط على مجمل المشكلة. من نقاط الاقتراح، إطلاق الرهائن في غزة، وإطلاق الأسرى في السجون الإسرائيلية، ووقف إطلاق النار لفترة محدودة، يأمل الوسطاء أن تتحول إلى دائمة، إلا أن ذلك من جهة المأمول به، كما أنه يتجاوز صلب القضية.

مسرح الاقتتال في غزة متحرك يومياً، بل ساعة بساعة، إلا أن الأسئلة الصعبة لم يُجَب عنها حتى الآن، والأطراف يريدون أن يُخرجوها خارج السياق والنقاط المركزية، كلٌّ لأسبابه الخاصة.

مَن سيحكم غزة بعد الاتفاق النهائي (إن تم)؟ ذلك سؤال جوهري، الطرف الإسرائيلي يُصرّ على أن خروج «حماس» من مشهد القيادة، الإدارية والسياسية، في غزة، هو شرط مسبق لأي اتفاق، والطرف الذي يتوسط لا يقول شيئاً واضحاً في ذلك ولا حتى الطرف الأميركي. كما أن السؤال الثاني: أين فكرة (حل الدولتين)؟ لقد أزيحت الفكرة أيضاً مما عرف من مسودة الاتفاق، وترك الحل للظروف التي يمكن أن تحققه في المستقبل ويمكن أيضاً ألا تحققه.

تعنت الطرف الإسرائيلي يمكن فهمه على صعيدين: الأول أن إسرائيل لم تحقق كل ما قررته من أهداف الحرب. والآخر أنها لن تخضع لضغوط الإدارة الأميركية الديمقراطية، أملاً في وضعها في موقف محرج، تمهيداً لنجاح المرشح الجمهوري دونالد ترمب، الذي ثبت في السابق عملياً أنه أكثر قرباً من أهداف إسرائيل الاستراتيجية، إذ اعترف سابقاً بالقدس عاصمةً للدولة الإسرائيلية، ونقل إليها السفارة الأميركية، كما اعترف بضم هضبة الجولان إلى الأرض الإسرائيلية، وشدد العقوبات على إيران، بل اغتال أيقونة تصدير الثورة الإيرانية قاسم سليماني. وعودته إلى البيت الأبيض هي بشرى سارة لليمين المتطرف في إسرائيل. فهي إذاً ليست في عجلة من أمرها للوصول إلى هدنة، حتى وإن كانت مؤقتة، حتى لا يُبنى عليها اتفاق دائم.

المستعجل للوصول إلى حل هي إدارة بايدن. هي تهدئة أكثر منها حلاً دائماً، إذ تشغلها الانتخابات والوضع المعقَّد في أوكرانيا، الذي يهدد بانفجار حرب نووية مصغرة، وأخيراً تأثير المظاهرات الطلابية الداخلية في شريحة واسعة كانت مؤيدة للديمقراطيين.

على الرغم من الحديث الإسرائيلي عن أهمية الرهائن في غزة، فإن الواقع الذي تمكن قراءته من تصرف الحكومة اليمينية أن الدولة الإسرائيلية العميقة، لم تعد قضية الرهائن أولوية لديها، ربما رفاتهم في المستقبل سوف يعود، ويقام لهم ضريح تاريخي، أما الاهتمام بعودتهم مع تقديم تنازل لـ«حماس» فهو من المستبعد في نظر ذلك اليمين، الذي لا يَعدّ الأخيرة أكثر من ذراع، مثل «حزب الله» في لبنان، للدولة الدينية الإيرانية. وقد خدم هذه الفكرة إسماعيل هنية، عندما صرّح الاثنين الماضي، بأنه اتصل بوزير خارجية إيران لوضعه في صورة قبول «حماس» مقترح الوسطاء! وهذا ما يؤكد أن إيران لاعب أساسي، وذلك يُرضي السيكولوجية الإيرانية. ولم يسمع العالم أن هنية قد اتصل بوزير الخارجية السعودي أو الأردني لوضعهما في الصورة! على الرغم من الجهد الدولي الذي بذلته الدولتان، مع مصر ودول عربية أخرى، لمنع حمَّام الدم في غزة.

الصورة لا تزال مشوَّشة، وفي الوقت نفسه الذي قبلت فيه «حماس» باقتراح الوسطاء شنَّت إسرائيل غارات متكررة على مناطق في رفح، وأيضاً أسقطت منشورات تحثّ السكان على الرحيل إلى مناطق أخرى، حيث استجاب لها كثيرون، وذلك أمام كل العالم ومن دون الاهتمام كثيراً للمقترح حتى الذي تؤيده الولايات المتحدة.

استمرار الصراع الصفري قد يؤدي إلى كوراث في المنطقة، يتوجب أن يُحسب لها حساب في الدوائر السياسية العربية، فإنْ أخذْنَا بالسوابق، فكارثة عام 1948 التي طردت الفلسطينيين من ديارهم سمَّعت في عواصم عربية كثيرة سلبياً، وهكذا حصل العرب على الفترة العسكرية في الحكم، التي جعلت العسكر يستولون على السلطة، وكان شعارهم الأول «تحرير فلسطين». والتاريخ يعرف الكوارث التي أنتجها حكم العسكر. أما هزيمة عام 1967 فقد أنتجت تصاعد التيار المعروف بالإسلام الحركي، الذي من جديد عانت منه شعوب عربية، ولا يزال بعضها يعاني تأثيره في تصعيد الشعوذة، وخلطها بالسياسية ودمج الدولة والدين معاً.

أما من نتائج مذابح غزة، فإن الاحتمال هو صعود موجة من الإرهاب في المنطقة لم تعرف مثلها حتى الآن، وتخلخل الأمن الوطني في الإقليم قاطبةً تحت شعار «محور المقاومة» الذي اتخذ مساراً أقرب إلى صراع العقائد الذي ألمّ بأوروبا قبل عصر التنوير.

تلك هي المخاطر غير المحسوبة لشركاء الصراع، وما ظهر حتى الآن هو أن الأسئلة حولها أكثر بكثير من الإجابات!

آخر الكلام: تضيق فرص الوصول إلى حلول سياسية، في ظل كلا الطرفين؛ اليمين الإسرائيلي واليمين الديني، كلٌّ يعتقد أن الله معه، ويخوض حرباً صفرية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اتفاق غزة الأسئلة أكثر من الإجابات اتفاق غزة الأسئلة أكثر من الإجابات



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon