توقيت القاهرة المحلي 09:11:50 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إعادة زيارة للمشهد اليمني

  مصر اليوم -

إعادة زيارة للمشهد اليمني

بقلم: محمد الرميحي

يطارد المتابع العربي المهتم سؤال: متى تنتهي الحرب في اليمن؟ ويتعاظم السؤال لدى اليمنيين، وخاصة أولئك الذين يقفون على مسافة من الصراع. اليمن بلاد معقدة والخوض في مفردات السياسة فيها تحوطه المخاطر؛ لأن الكثير من اليمنيين نسبة العاطفة لديهم أكبر بكثير من نسبة التبصر الموضوعي، حتى لو قيل لأسباب تاريخية «أن الحكمة يمانية»! فالتحوط هنا واجب خشية الانزلاق إلى التفسير العاطفي.
بعد التحول إلى العصر الحديث في بداية الستينات من القرن الماضي انطلقت في اليمن ولدى بعض النخب العربية نكتة سوداء عن العصر الأمامي تقول: إن مستشاري الإمام تناقشوا في كيف يمكن أن ينهض اليمن ويسير مع دول العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فقال بعضهم الأمر بسيط، علينا أن نشهر الحرب ضد الولايات المتحدة، وبالتأكيد سوف تهزمنا ونحظى بعدها بالخطط نفسها التي حصلت عليها اليابان وألمانيا! وبهذا ندخل العصر الحديث. تذهب النكتة لتقول إن أحد الحاضرين لمعت في ذهنه فكرة فقال، وماذا لو هزمنا أميركا؟! على الرغم من سوداوية النكتة، فإن المجموعة الحوثية يبدو أنها قررت في غيابها عن فهم العالم تحويل النكتة إلى حقيقة، فهي ترفع شعار تراه أعين الإعلام العالمي يقول: الموت لأميركا، أما متحدثوها الرسميون فلا يتورعون بالقول إن الحرب التي تشن عليهم هي حرب أميركية! متجاهلين أن الحرب معهم من مكون يمني يرفض أن يعود إلى الحكم الكهنوتي الذي ارتوى من مرارته! أو يكون اليمن تابعاً لدولة فشلت في تقديم مشروع حديث لمواطنيها!
تركت الإمامة في حكمها الطويل بعض مناطق اليمن كما تركها سيدنا نوح، واستمرت الأمور إلى ما بعد النصف الثاني من القرن العشرين، عندما قام بعض الضباط وبعض رؤساء القبائل ومن توافر فيهم بعض الاستنارة من اليمنيين بالتخلص من حكم الإمامة الكهنوتي، ولكن نسبة كبيرة من اليمنيين ظلوا في العصر القديم، إلى درجة أن شاع تعبير لدى العامة في مساواة مفردة «كفرنا» بـ«جمهرنا» والأخيرة تعبير عن التحول إلى جمهورية.
أصاب اليمن ما أصاب عديداً من المجتمعات العربية بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن على الطريقة اليمنية، فبعضهم اعتنق البعثية، والبعض الآخر ذهب إلى القومية، وآخرون إلى الماركسية، لكن من دون فك الارتباط بالقبلية التي تحمل عبء تراث تقليدي. فمثلاً تحول اليمن الجنوبي بعد الاستقلال من بريطانيا في وسط الستينات إلى ماركسية - قبلية، فتم تهميش أو تصفية القيادات من قحطان الشعبي إلى عبد الفتاح إسماعيل على مذبح ملتبس آيديولوجي - قبلي، كما هُمّش أو قُتل عدد من رؤساء الجمهورية في الشمال، أيضاً على أساس آيديولوجي - قبلي. وحتى الفترة الأخيرة، أي العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، نجد أن اليمن ضُرب برياح ما يسمى الربيع العربي ولكن بطريقة يمنية، فتم إسقاط النخبة الحاكمة (على صالح) وتركيب نخبة جديدة من بقايا النخبة التي أطيحت، وبعد أن كانت الحرب بين الحوثي في صعدة ونظام علي صالح، اعتقد الأخير أنه يمكن أن يعود من جديد إلى الحكم من خلال التحالف مع العدو القديم، ولم يفطن ربما لشدة ذكائه (في بعض الأوقات الذكاء يقود إلى التهلكة) أن الحوثي في فترة العشرية الأولى من القرن قد تحالف مع أناس آخرين بأجندة مختلفة تماماً هي أجندة الهيمنة على الممرات المائية على البحرين؛ بحر العرب والبحر الأحمر والتواصل مع أفريقيا تحقيقاً لإمبراطورية فارسية قديمة، فتم قتل المتذاكي من العدو - الصديق القديم الجديد، شر قتلة.
التركيبة اليمنية الاجتماعية الاقتصادية معقدة، وهي في الغالب لا تخضع في معظم تجلياتها لتحليل الآيديولوجيين من النخب اليمنية، وقد فشلت كلها في التغلغل في النسيج اليمني، فلا الماركسية في الجنوب فهمت أو استوعبت ذلك المجتمع، بل قامت بشكل عمياني حتى بتأميم ممتلكات صيادي السمك الفقراء، في مجتمع لم يعرف بعد الصناعة ولا التقسيم الطبقي، ولا القوميون فهموا أو نجحوا في التغلغل في نسيج المجتمع، ولا البعثيون الذين كانوا على السطح فقط لهم ممثل يمني صامت في القيادة القومية في بغداد!
النجاح الجزئي هو من يقول عن نفسه إنه «إسلامي» لأن الشعب اليمني في معظمه الأكبر مسلم، وإسلامه تقليدي وراسخ، فمن المعروف أن هناك مسلمين يمنيين في الغالب يتبعون المذهب الشافعي في السهول والجنوب، وهناك يمنيون يتبعون المذهب الزيدي في الجبال والشمال، وبينهم تآخٍ، خاصة في المدن الكبيرة والأخص في مقايل القات في صنعاء، إلا أن الإسلام الحركي استطاع أن يتوسع بسهولة، فكان لـ«الإخوان المسلمين» فرعهم الخاص مع الاشتراك في مقولات فضفاضة في الحلم بالدولة الإسلامية، ولكن على الطريقة اليمنية، والزيدية التي انخرط بعض مكوناتها في التجمع الهلامي الأول ما لبث أن صنعت تجمعها وخاصة في نهاية القرن العشرين وبتأثير متصاعد من النفوذ الإيراني الذي تطور إلى هيمنة بخلق ميليشيات مسلحة (فتح لها علي صالح لرغبته العارمة في العودة إلى السلطة عديد الجيش اليمني)، وتطورت تلك الميليشيات لتكون شبه جيش مدرب من الإيرانيين وحلفائهم. الخطورة في تلك المحاولة هو التحول الثقافي القسري الذي يسعى لتغير ملامح المجتمع اليمني من خلال المدرسة التي انتشرت في المناطق التي استولى عليها الحوثيون.
السؤال، هل يستطيع الحوثي في صراعه الذي نراه أن يهمين على اليمن بكامله كما يتمنى راعيه في طهران؟ الإجابة الأكثر قرباً إلى المنطق أنه لا يستطيع، هو يمكن أن يخلخل السلم الأهلي اليمني لفترة، أما إخضاع المجتمع اليمني بالقوة القهرية يعني أنه لم يقرأ تاريخ اليمن. الحوثي كما تبين ليس لديه القدرة على التعامل السياسي بسبب عزلته الطويلة وبسبب افتقاده إلى خبرة حكم لمجتمع تعددي قبلي ومناطقي، فهو يقع في نفس فخ المجموعات المؤدلجة اليمينة السابقة، البقاء في الدائرة الضيقة من دون النظر إلى خارجها.
آخر الكلام:
المخرج العقلاني للمعضلة اليمنية هو كيفية تأمين الحوثي من الخوف الذي يريد أن يرسخه في محازبيه.. وليس هناك أفضل من مبادرة خليجية للعودة الشجاعة إلى مخرجات الحوار اليمني، ولكن هذه المرة بقرار ومساهمة دولية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إعادة زيارة للمشهد اليمني إعادة زيارة للمشهد اليمني



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon