توقيت القاهرة المحلي 09:13:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جولة الرئيس الفرنسي في الخليج!

  مصر اليوم -

جولة الرئيس الفرنسي في الخليج

بقلم: محمد الرميحي

من السذاجة تصور أن العمل السياسي بشكل عام منزه عن المصالح الشخصية أو الوطنية، وجولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا تخرج عن ذلك. قوبل الرئيس بترحاب شخصي وبالكثير من الدعم من خلال توقيع اتفاقيات مجزية تصب في صالح دول الخليج، وأيضاً في صالح فرنسا وربما أيضاً ترجح حظوظ الرئيس في الانتخابات المفصلية المقبلة.
إلا أنه من السذاجة مرة أخرى أن نتصور أن باريس أو لندن أو حتى واشنطن لا تفطن إلى التهديد الهائل الذي تشكله الطموحات الإيرانية في الجوار، ومدى تهديدها للأمن والسلم في منطقة الشرق العربية. مع فشل الجولة الأخيرة للمفاوضات في فيينا تظهر الاستراتيجية التي تعتمد عليها طهران، فهي ترى أن الأطراف الأخرى لا تملك خيارات كثيرة أو فاعلة، كما أنها تعتمد خيار كوريا الشمالية، أي من أجل الحفاظ وديمومة النظام يتوجب امتلاك القوة النووية ومع مكملاتها من صواريخ عابرة، وكل المسافة الزمنية تستخدم من أجل تقطيع الوقت، بهذا الامتلاك تعتقد طهران بقناعة كاملة أنها تحصل على بوليصة التأمين الكاملة والشاملة لنظامها.
في هذا السيناريو ترى طهران أن أي عمل ضدها، وخاصة حملة عسكرية مباشر يمكن أن يطلق كل الشرور في الشرق الأوسط، يمكن أن يقوم «حزب الله» بشن غارات على إسرائيل وتتجاوب معه «حماس»، ويغرق الجمهور الإسرائيلي في وسط عملية خوف صاعقة، بل في تصور آخر للمتحمسين يمكن أن تكون «نهاية إسرائيل»، في الوقت نفسه تطلق المجموعات العراقية الموالية لطهران شرورها بإشاعة الفوضى في العراق وما جاورها، وتشنّ جماعات الحوثي تصعيداً في اليمن يعزز من انتشار الفوضى. ذلك السيناريو لا تؤمن به طهران، بل تسوقه أذرعتها في المنطقة، ويبدو أن بعض جيوب التفكير في العواصم الغربية قد اشترت ذلك السيناريو؛ لذلك فإن الجهد الدبلوماسي الذي بذله ماكرون في الخليج، وخاصة ذلك الذي له علاقة بلبنان يتوجه إلى قبول الواقع على أنه نهائي، مع اقتناع كلي أو جزئي بسيناريو «يوم القيامة» الذي تروج له طهران.
في الواقع هذا السيناريو ليس فقط مبالغاً فيه، بل محض افتراض. فالاختلاف واضح بين المشهد الإيراني والمشهد الكوري الشمالي في عدد من الأوجه، الأخيرة وُجدت تاريخياً إبان تصاعد صراع الحرب الباردة بين القطبين، ودُعمت من قوة سوفياتية أولاً وصينية ثانياً، وشن النظام الكوري حملة قمع غير مسبوقة على مواطنية حتى لم يعد رجل أو امرأة واحدة خارج أسواره لهم رأي إلا وتم تصفيته، أما الداخل فقد تحول في الغالب إلى مطيعين كرهاً لا طوعاً وقد فقدوا إنسانيتهم من الرعب. الفرق أن طهران وإن استخدمت القمع إلا أنها تواجه معارضة متنامية ربما بالملايين في الداخل والخارج، والمعارضة الخارجية الإيرانية نشطة في أوروبا تتابع رجال النظام متى ما خرجوا منه، وتقدمهم للمحاكمة بأدلة موثقة تدل على اتصال داخلي، كما أن الداخل يغلي بالكثير من الاعتصامات والاحتجاجات؛ كون الشعوب الإيرانية أقرب إلى التأثر بالمجرى الحضاري العام الإنساني والأوروبي على وجه الخصوص، ويتوق إلى الانعتاق من القمع والفقر معاً.
على صعيد آخر، الانتخابات الأخيرة في العراق بيّنت من دون لبس أين يكمن التوجه العراقي في أغلبه، هو الانفكاك من السيطرة الإيرانية، وكل الشعارات التي تلجأ إليها المجموعات التابعة لإيران من خلال طرح شعار «إخراج أميركا» لا تجد لها مُصدقاً؛ لأن أميركا لم تعد ثقلاً وازناً في الساحة العراقية بل أصبح العراقيون الوطنيون هم في الواجهة، وكذلك لبنان، مع تغول «حزب الله» وحلفائه إلا أن أغلبية لبنانية ما زالت تجهر بعدائها للمشروع التوسعي الاستحواذي، وتعرف أنه سبب معظم نكبة لبنان وتدهور وضعه في كل المجالات، وتسمي بعض الأطراف اللبنانية تلك المجموعة المتحكمة على أنها مافيا لا أحزاب. وفي اليمن كل المجازر والتنكيل الذي يفرضه الحوثي بمساعدة من طهران وحلفائها على الشعب اليمني يجد مقاومة ورفضاً من شريحة واسعة من اليمنيين، ولا يستطيع الحوثي أن يرتكب حماقات أكثر مما يفعله الآن، كما أن الداخل الإسرائيلي يتوحد أمام التهديد. فالحديث عن سيناريو يوم القيامة خرافة يتصورها البعض في خياله!
بالعودة إلى جولة ماكرون والموقف الغربي بشكل عام، يبدو أنه لا أكثر من شراء للوقت، فبعد زيارتين من الرئيس الفرنسي إلى لبنان، ورغم كل الوعود التي قيل أنها قُدمت له، زاد الوضع تدهوراً من جميع النواحي؛ لأنه ورهطه لا يريدون أن يعترفوا بالعقبة الكأداء، وهي وجود «الفيل الأبيض» الذي يثخن في جراح اللبنانيين واللبنانيات حتى أصبح المواطن اللبناني ميتاً يتنفس بوجود سلاح خارج الدولة لدى الحزب يهدد به القاصي والداني، وقد أشير في البيان السعودي - الفرنسي بعد الزيارة إلى أن السلاح يجب أن يُحصر في الجيش اللبناني! هل ماكرون أو حتى الحكومة اللبنانية قادرة على أن تقوم بذلك؟... يعرف ماكرون قبل غيره استحالة الأمر.
السياسة هي بالنتائج وليست بالنيات ولا بالتمنيات، والنتائج واضحة لمن يريد أن يُبصر، ومن الواضح أن فريقاً يعتقد جازماً أنه يتوجب أن يملك ما يسميه الردع النهائي، مع استخدام أجنحة مؤدلجة، وآخر يرى تقطيع الوقت من أجل المرور بالانتخابات المقبلة وعينه على صناديق الانتخاب، سواء في الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة أو الراسية في فرنسا، ينتج من ذلك سياسات قصيرة المدى وهي كثيراً ما تنتج كوارث في المديين المتوسط والبعيد، وبالتالي سياسة قصر النفس تودي إلى عملية «الاسترضاء»، وكأن التاريخ يعيد نفسه في استرضاء وتردد نيفيل تشابرلين رئيس الوزراء البريطاني لأدولف هتلر في ثلاثينات القرن الماضي، والتي خلفت تلك السياسة اللينة في نهاية الأمر ملايين من البشر قتلى وخربت اقتصاد العالم وأسقطت إمبراطوريات. هذا التردد نشاهده اليوم في المسيرة السياسية للكثير من ساسة الغرب تجاه مسرح الشرق الأوسط السياسي والركون إليه مراهنة على أن القوى الظلامية غير ممكن ترويضها، وأن الزمن كفيل بتهدئة طموحاتها، والنتيجة المتوقعة هي كارثية تحل بالمنطقة أكثر من كل الكوارث التي مرت بها.
آخر الكلام:
دور الوسيط في العمل الدبلوماسي، أن الأطراف المختلفة تستمع إليه وتطبّق الحلول التي يقترحها، الوساطة الفرنسية لا تجد رداً من الحزب ومناصريه غير الابتسامة الصفراء! لأنهم مأمورون لا مشاركون!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جولة الرئيس الفرنسي في الخليج جولة الرئيس الفرنسي في الخليج



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon