توقيت القاهرة المحلي 20:36:25 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فخ الحيرة؟

  مصر اليوم -

فخ الحيرة

بقلم :محمد الرميحي

نشر الأستاذ أحمد الصراف مقالاً الأسبوع الماضي وُزّع على نطاق واسع بعنوان «حيرة الشيعة في الكويت» ووضع مبضعه في الجرح؛ فموقف بعض المكون الشيعي في بلاد العرب ملتبس؛ لأن المشهد السياسي في المنطقة برمته ملتبس. المقال الذي دخل في حقل الألغام تحدث عن إشكالية «المسكوت عنه» وغاص في أسباب وطبيعة ذلك الانقسام، وهي وجهة نظر لم تترك دون تعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي، بل أثارت ردوداً وتعليقات آنية.
الإشكالية، أن المخاطرة في طرق هذا الموضوع لها محذوران على الأقل، الأول هو التعميم يدخل أي كاتب إلى زوايا قد لا يكون قصدها، والمخاطرة الأخرى أن بعضنا يرى جزءاً من الصورة ويُوصّفها بدقة، ولكن الصورة الأوسع هي المطلوب أن تحضر للنقاش العام، والاجتهاد أنه في الخمسين سنة الماضية ظهر على السطح مشروعان سياسيان في الشرق الأوسط، كانت لهما جذور سابقة، ولكنهما تشكلا بشكل أكثر وضوحاً في نصف القرن، الأول هو تغير سياسي لبعض فقهاء الشيعية الاثنا عشرية والدخول المباشر في العمل السياسي، أي الانتقال من الولاية الخاصة للفقيه والتي هي تقليدية إلى الولاية العامة، ومن جهة أخرى انحراف الإسلام السني إلى السياسة، وظهور مفهوم «الحاكمية» لدى جماعات الإسلام الحركي. في الحالين وجد المشروعان من يعتنقهما ويسعى إلى توسيع رقعة المناصرين، وفي الحالين هما مشروعان انقلابيان يحملان مشروعاً سياسياً - اجتماعياً نكوصياً لا مكان له في التطور العالمي المعاش. يرى الصراف، أن «المكون الشيعي الكويتي يعود بأصوله إلى الحواضر المجاورة... وكان بحكم الطبيعة في طريقه إلى الانصهار مع بقية مكونات المجتمع، إلا أن تبني الثورة الإيرانية لفكرة تصدير الثورة غيّر من اتجاهات البعض»، ويرى أن الإسلام السني في غمرة حماسه لطرد القوات السوفياتية من أفغانستان، وجّه سهامه لمحاربة المذاهب الأخرى فحدث ذلك الصراع «السياسي في القاع» و«المذهبي على السطح» بين المكونين، يفسر الصراف بعضاً من المشكلة بالقول «يشتكي الشيعي بشكل عام في المنطقة من عدم ثقة السلطات بحقيقة ولائه، عدم الثقة دفع بقلة منهم للجوء إلى أطراف أخرى والولاء لها»، قد يكون التفسير مقنعاً، ولكنه يطرح سؤالاً: لماذا بعض السنّة في بعض الدول تلقي بحبل ولائها إلى الخارج أيضاً، فهي ليست أقلية ولا مكاناً للشك في ولائها نظرياً؟!
مسّ الكاتب الحقيقة عندما أشار إلى مسؤولية الدولة ومسؤولية المواطن في التصدي لتلك الظاهرة، وهذا جانب أساسي في المعضلة التي تواجه المجتمع اليوم، إلا أن الغائب هو ما يعرف «بالهندسة الاجتماعية»، أي وجود مشروع سياسي للدولة الوطنية يتسم بالواقعية والمأسسة، مع خطط للتنفيذ وقواعد قانونية عادلة، ولكنه أمر يسهل قوله ويصعب تنفيذه لأسباب عدة، على رأسها أن السياسي هو «ابن يومه» مع فقر في التصور وقصور في النُفس، مع صورة ذهنية متجذرة لدى المتعصبين كل ضد الآخر، وهي صورة تحتاج إلى جهد لتغييرها.
الموضوع برمته يحتاج إلى نقاش، على رأسه الفصل بين «المذهبي» و«السياسي» فليس المطلوب أن يغير المنتمي إلى الطائفة الشيعية الكريمة المذهب الذي ينتمي إليه، ولا العكس، بل المطلوب فصل السياسة عن المذهب والتعامل بالمنطق العقلاني في دولة مدنية يدين لها الجميع بالولاء، تقوم كل الشرائح فيها بالسعي السلمي لتحقيق الخير العام. لنأخذ المشروع الإيراني الذي نعرف اليوم مكامن قوته المحدودة ومكان ضعفه الكبير، فهو لم يقدم «المنّ والسلوى» لأهله، يكفينا نشاهد من ضنك اقتصادي وتدنٍ للحريات من بين أمور كثيرة أخرى، فلا يستطيع شخص سوي أن يتمنى العيش تحت ظله وإكراهاته، فهو مشروع غير قابل للتبني. في المقابل، فإن ما يتمتع به المواطن في الضفة الأخرى، حتى لو كان هناك ملاحظات تحتاج إلى تقويم، إلا أن الفارق كبير في ملفات العيش والحريات والسوية التنموية، عدا أن هناك أغلبية لا ترغب في فرض ذلك المشروع عليها من الجانبين السني والشيعي على حد سواء. لا هو ولا مشروع الحاكمية، وتجربة السودان الطويلة والفترة القصيرة في مصر وغيرها تؤكد ذلك، أي جلب الفقر والقمع معاً لم تطاقا، لا من المجتمع السوداني ولا المصري. المخرَج هو السعي بجد وبمثابرة للمطالبة بالدولة المدنية الحديثة والعادلة، التي يتساوى فيها المواطنون. الواقع، أن الوصول إلى ذلك المثال هو تمنٍ، فلا وجود عملياً له، إلا أن الاقتراب منه ممكن.
تُرى ماذا يمنع التوجه إلى ذلك التفكير؟ أي التحرر من الإكراهات المذهبية – المسيسة؛ ما يمنع مجموعة متراكمة ومعقدة من العوامل، وفي محاولة تفكيكها يظهر التسييس أولها، فهناك مجموعات وأشخاص يقومون بتضخيم «المخاوف» من الآخر تكسباً لمناصرة الأتباع وحصر المنافع من خلالهم لإكثار حجم المناصرين، أو مناكفة لواقع، ويغلب ثانياً عامل التجهيل بأدواته المختلفة على تجذير وتضخيم المظلومية، باستدعاء مقولات ونصوص قيلت في أزمنة صراع أخرى، وهي أزمنة كثيفة الضبابية واعتبار تلك المقولات من أسس الاعتقاد المذهبي، أما العامل الثالث فهو تجاهل المجتمع الإشكالية برمتها وعدم أخذها إلى سطح النقاش المسؤول في منتديات النخب، فالأكثر سلوكاً هو الذهاب إلى طريق السلامة وكنس المشكلة برمتها تحت سجاد المجاملة.
هل الصورة قاتمة إلى ذلك الحد؟ ليست كذلك؛ فالتعليم، وإن كان هناك ملاحظات عليه، والاحتكاك بالآخر في المجتمعات الخليجية، والتفاعل مع منتجات الحضارة السائدة عوامل ذوبت الكثير من المواقف المتشنجة، إلا أن الأغلبية القابلة بالعيش المشترك والمساواة لم تستطع أن تجهر برأيها في كلا الجانبين؛ لأن الأقلية الفاعلة هي الأعلى صوتاً والقادرة على إثارة مشاعر العامة؛ لذلك فإن أصوات الأغلبية ورأيها يختفي، إما بعداً عن المناكفة أو حرصاً على عدم الدخول في مياه غير صحية والتفسير الأعوج للرأي. من جهة أخرى، فإن مناقشة المخاوف بشكل عقلاني قد توصلنا إلى أول جسر التوافق والحفاظ على الأوطان، وقد وضعنا الصراف على السكة، أما الفكر الانقلابي والإلحاق بالآخر، أياً كان، فإن أغلبية ترفضه.
آخر الكلام:
تنصب السلطة الإيرانية فخ الانتماء المذهبي للإيقاع بمكون وطني تحت ذرائع هشة، ودفعه للانشقاق عن مواطنيه ووطنه، وبذلك تخرب الأوطان ويخسر الجميع دون رابح، لبنان مثالاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فخ الحيرة فخ الحيرة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:20 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسماء جلال وأسماء أبو اليزيد تتنافسان في الغناء والسينما
  مصر اليوم - أسماء جلال وأسماء أبو اليزيد تتنافسان في الغناء والسينما

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon