توقيت القاهرة المحلي 19:43:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الترمبية!

  مصر اليوم -

الترمبية

بقلم : محمد الرميحي

  هل من المبكر الحديث عن «تيمة» يمكن ملاحظتها في السياسة الأميركية تحت إدارة الرئيس دونالد ترمب، يمكن أن نطلق عليها اصطلاح «ترمبليزم»، بعد عام تقريباً على وصوله إلى الحكم في الولايات المتحدة، أقوى ترسانة ضاربة على الأرض اليوم؟

المصادفة أن كلمة «ترمب» تعني في اللغة في بعض معانيها، الورقة الرابحة، أو الشخص الممتاز! فهل ينطبق المعنى على الفعل السياسي الذي يتبلور أمامنا؟ قد يجد البعض أن الوصول إلى خط واضح في التفكير والتنفيذ، أي ما يعرف بالاستراتيجية، لهذه الإدارة، من السابق لأوانه.

وصفتُ في مقال سابق أثناء الحملة الانتخابية في عام 2016، أن السيد ترمب يحاول إيجاد خلطة جديدة في السياسة، تشبه خلطة «الباجة» الموصلية! فيها كل ما يمكن أن تشمله السياسة، والبعض الآخر يرى أن معالم الترمبية السياسية بدأت تتضح في استراتيجية متكاملة، بعد عدد من الأحداث الأميركية الداخلية والعالمية.

الوجه الأكثر وضوحاً أن الترمبية أو «ترمبليزم» قد حطمت خطوطاً كثيرة تقليدية في العمل السياسي الأميركي. أول الملاحظات أن الإدارة على استعداد لتغير «الأحصنة» متى ما أراد الرئيس أن يفعل ذلك، دون النظر إلى الاستقرار أو عدم الاستقرار في السياسات.

الطلب الرئيسي من العاملين القريبين من البيت الأبيض، هو الولاء التام للرئيس، وما يقرره يجب أن يتبع بالحرف دون اجتهاد. ذلك مخالف للسياسة الثابتة طويلاً، أن الدولة الأميركية، بصرف النظر عن نوع الإدارة، لها «ثوابت» تقررها المصالح العليا للدولة! أي أن الرئيس ترمب يسير بعكس ما تقرره الدولة العميقة ومؤسساتها، هذا افتراق واضح، فقد تم تغيير عدد من الشخصيات التي أرادت أن تتمايز عن سياسة الرئيس، وذلك الأمر يعني تغيراً جذرياً في الثقافة السياسية الأميركية التي اتبعت لسنوات طويلة سابقة، وهي أن يقول المرؤوس رأيه بوضوح في القضايا المطروحة، خاصة المتعلقة بالأمن القومي، دون خوف من فقد منصبه.

الأمر الثاني أن الإدارة الترمبية لم تعد تأبه كثيراً بما يقال في الإعلام؛ بل هناك تجاهل واضح وعلني لما عرف تاريخياً بالسلطة الرابعة، فلم تعد الإدارة محكومة برأي الخبراء المتحدثين على وسائل الإعلام المرئية أو المسموعة في نشرات الأخبار، وقد ساعد على تحقيق ذلك التجاوز استخدام ناجح لوسائل الإعلام الحديثة، فالرئيس يتواصل مع الجمهور العام مباشرة من خلال «تويتر»، أكثر من مرة في اليوم، ويعلن ما يريد، ويشجب أعمال من يريد؛ بل وينتقد بعض معاونيه وهم في السلطة، كما فعل مع وزير خارجيته السابق ريكس تيلرسون.

الرأي العام الذي كان في السابق يخيف كثيراً من الرؤساء الأميركيين، وكانوا يعملون له حساباً، لم يعد مهماً في إطار العمل السياسي للإدارة الترمبية، فهو يستطيع أن ينفي، ثم يعترف بعدد من الأمور السابقة لتوليه منصبه، دون كثير من الاهتمام بما يقال في نشرة المساء في الأخبار التلفزيونية. هناك عدد ثابت من المؤيدين للرئيس في الفضاء الشعبي الأميركي، وهذا ما يهمه، حتى في القضايا المختلف عليها بعمق في المجتمع الأميركي، مثل حمل السلاح للأفراد، وكان رده على قتل عدد من التلاميذ منذ أشهر، أن سلحوا الأساتذة! بل تجاوز حدود جغرافية الولايات المتحدة، ليقدم نصيحة للفرنسيين، أثارت صحفهم وسياسييهم، أنه لو كان الحرس مسلحين ما وقعت مجزرة باريس!

وعلى الرغم من الملاحقات التي ما زالت تملأ وسائل الإعلام ضجيجاً، وبعضها قريب إلى «الفضائح التقليدية»، فلا تزال إدارة ترمب غير عابئة بالصغير من الفضائح الشخصية، والكبير من الفضائح السياسية، كمثل التدخل الروسي المزعوم في الحملة الانتخابية عام 2016؛ بل إن الإدارة قلبت الطاولة وحولت الدفاع إلى الهجوم في اتهام أجهزة الأمن الأميركية بالتدخل أو «التنصت» على الحملة وقتها، وتركت تلك الأجهزة في حال الدفاع، يقال في ذلك تخفيض الضرائب وشن حرب اقتصادية على الأصدقاء والأعدقاء!

على الصعيد الخارجي، يتضح أن الطريقة الترمبية في إدارة الأمور، هي وضع كل الأوراق على السطح، سواء مع الحلفاء الأقرب في أوروبا، كالتوجه إلى إرغام الجميع على تحمل نسبتهم المالية في المساهمة في ميزانية حلف الأطلسي، دون اعتبار للحساسية التي تحملها بعض الشعوب والدول، مثل ألمانيا، تجاه التسلح بشكل عام، أو من خلال الخروج من إطار قضية دولية تسمى الحفاظ على المناخ العالمي، الذي وجدت فيها الإدارة الترمبية حجراً من نوع ما على الصناعات الأميركية، وبعضها ملوث للبيئة.

على مقلب آخر، فإن السياسة الترمبية مع الآخرين في الخارج، تبدو أنها تأخذ اتجاه «سياسة حافة الهاوية» وهي: إن كان للزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون «زر صغير» للضغط على المفجر النووي، فإن لدينا «زراً كبيراً» وسوف نقابل أي عمل عدائي «بالغضب والنار». وتلك السياسة تبدو أيضاً تجاه إيران، فقد قال الرئيس، وردّد وزير خارجيته، أن «إيران سوف تشهد ما لا تطيق» إن هي عادت إلى تخصيب اليورانيوم، بشكل يقود إلى احتمال الوصول إلى إنتاج قنبلة نووية!

من السهل مناقشة استراتيجية حافة الهاوية، ولكن من الصعب التنبؤ بنتائجها. البعض يعلقها على قضيتين؛ الأولى والأهم، أن يقود الاجتماع المزمع مع رئيس كوريا الشمالية إلى نجاح يخترق كل التوقعات، أي يقود إلى نزع السلاح النووي الكوري الشمالي، وهو أمر مشكوك فيه حتى الآن، هذا النجاح إن حصل فسوف يؤسس إلى نجاحات أخرى في أماكن أخرى تحمل تقريباً الملفات نفسها، مثل الملف الإيراني. أما القضية الثانية فإلى أي مدى هذه السياسة يمكن أن تذهب في «إغضاب» أوروبا اقتصادياً، وكذلك الصين؟ في الملف الأخير يبدو أن الصين وأوروبا يتجهون إلى الانحناء للعاصفة، كلٌّ بطريقته، ولكن لما يساير الرغبة الأميركية. كما أن فشل الاجتماع مع كوريا الشمالية - وهذا احتمال ممكن - سوف يعتبر منعطفاً حاداً للترمبية السياسية في الخارج والداخل. وقتها إما أن تعيش الإدارة ما وعدت به من «غضب ونار» أو تتراجع. كلا الاحتمالين يحملان كثيراً من المخاطر، ولكن المخاطر الأكبر في الاحتمال الثاني وهو الفشل؛ لأن النجاح يمكن أن يحقق كثيراً من إرضاء النفس، وتحقيق أو الادعاء بتحقيق الشعار الأكبر: «لنجعل أميركا عظيمة». أما في الاحتمال الثاني، الفشل، فلن يبقى النظام الدولي على ما عرفه العالم في ثلاثة أرباع القرن الماضي، هذا النظام سوف يختل خللاً كبيراً، قد يقود إلى «نهاية العولمة» كما نعرفها، وانفلات قوى إقليمية لتحقيق مصالحها، دون النظر إلى أي معوقات. أما أميركا الداخل فلن تكون من جديد أميركا ذات الصولة والجولة.

بالتأكيد، العالم يحبس أنفاسه اليوم بانتظار تاريخين؛ الأول هو الاجتماع التاريخي الأميركي - الكوري الشمالي (الرئيس الأميركي ألغى الاجتماع – المحرر)، والثاني تحرك النظام الإيراني أمام المطالب الأميركية، إما إلى الإذعان، مع حفظ ماء الوجه، أو التحدي الذي سوف يحول منطقتنا إلى ما يمكن وصفه بأنه «كرة نار» متدحرجة.

آخر الكلام: هناك مثل شعبي خليجي، قد يكون مناسباً للمرحلة: «الذئب لا يهرول عبثاً»!

نقلًا عن الشرق الآوسط اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الترمبية الترمبية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon