توقيت القاهرة المحلي 12:57:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ظاهرة الانتخابات الاحتجاجيّة

  مصر اليوم -

ظاهرة الانتخابات الاحتجاجيّة

بقلم : محمد الرميحي

أجريت وتجرى انتخابات في أكثر من مكان حولنا، وعلى اختلاف مدخلات تلك الانتخابات ومخرجاتها وظروف البلد الذي تجرى فيه، فإن بينها رابطاً نسبياً واحداً هو التصويت الاحتجاجي عموماً.

الانتخابات في بريطانيا وفرنسا، وأيضاً حتى في إيران، أجريت أخيراً، ومع الاعتراف بأن المقياس ليس واحداً عند ذكر مصطلح انتخابات في تلك المجتمعات، فبعضها مقيد إلى درجة فقدان معناها، وبعضها مفتوح، بعضها حديث نسبياً، والآخر قديم ومُوصل، بعضها قائم على أن الدولة ليست ذات طبيعة أبوية، بل هي تقوم على خيارات أعضائها العامة، أي السيادة للشعب، وأخرى تقوم على أن السيادة هي للفقيه، نائب الله على الأرض، فإن ما يجمعها هو صندوق الانتخاب ويحكمها التوجه الاحتجاجي الكلي، أو النسبي على ما هو قائم من سياسات!

في بريطانيا يفوز حزب العمال بعدد تاريخي من النواب، ويخسر حزب المحافظين خسارة تاريخية غير مسبوقة، وهما الحزبان اللذان سادا في السياسة البريطانية لأكثر من قرن من الزمان.

في الغالب صوتت شريحة واسعة من المواطنين البريطانيين للعمال، ليس حباً في حزب العمال، بل نكاية بالحزب الآخر الذي بقي في السلطة أربعة عشر عاماً وارتكب كبائر سياسية أكثرها شناعة هي الثقة المفرطة بالنفس. فقد حصل الحزب قبل سنوات قليلة (عام 2019) على أكبر أغلبية في تاريخه، لكنه بددها بتهور قياداته، إذ تقلب على القيادة خمسة رؤساء وزارة في بحر خمس سنوات فقط، ودبت في الحزب الخلافات بين رؤساء كتله وأقطابه، وتحولت إلى شجار داخلي وما لا يحقق أي مصلحة عامة للناس، وهكذا خسر الانتخابات، بل سقط الكثير من رجال ونساء كبار كانوا زعماء للحزب، وكان بعضهم متقدماً في القيادة، بل رئيسة وزراء سابقة.

بالضبط هذا ما حصل في فرنسا، لقد صوت الجمهور تصويتاً احتجاجياً بسبب تهور القيادة الفرنسية في سياسات غير شعبية في الداخل والخارج، وشراكتها مع غيرها من دول أوروبا في التورط أكثر من اللازم في حرب أوكرانيا، ما ألحق ضرراً كبيراً بالاقتصاد الفرنسي والأوروبي، على رأس ذلك إعفاء المنتجات الزراعية الأوكرانية من أي ضريبة.

المختلفة جزئياً هي الانتخابات في إيران، رغم الحديث الواسع في وسائل الإعلام عن معسكرين أحدهما إصلاحي والآخر محافظ، وهما مصطلحان مجازيان أكثر مما هما واقعيان، لأن من يعرف آلية اتحاذ القرار السياسي في إيران، لديه يقين بأن الرئيس يملك صلاحيات محدودة جداً، وأن الحكم في أيدي الملالي في المجالس الرقابية المختلفة، ومع ذلك صوت الناس في الدورة الثانية أكثر نسبياً من الدورة الأولى لإقناع أنفسهم بأنهم يصوتون لمعسكر الإصلاح وربما ذلك وهم كبير، إلا أن فكرة أن التصويت الاحتجاجي هي نفسها، وأن كان هامش التغيير في إيران في حده الأدنى.

التصويت الاحتجاجي يعني رفض النظام السياسي القائم، على أمل التغيير إلى الأفضل، وأيضاً هو في جزء منه رفض للقائم من السلطات المختلفة، وعادة إن استمرت تلك السلطات لفترة طويلة من الزمن تشيخ بالضرورة ويصيبها الوهن، لأن السلطة عمياء في كثير من الأوقات، وأيضاً تعمي كل من يتعاطى بها وتفرش له الواقع بالزهور، وهو في الحقيقة مليء بالأشواك!

العالم يتغير وبسرعة، وفي الفرص التي تتاح للمجتمعات للتغيير السلمي، يقوم الناس بالتغيير، المشكلة في تلك المجتمعات التي تنسدّ أمامها فرص التغيير السلمي من قبل السلطة المطلقة، هنا تذهب في الغالب، عاجلاً أو آجلاً، إلى التغيير العنيف الذي ينسف الحاضر، من دون أن يجد له بديلاً يحتمل أفقاً معقولاً في مستقبل أفضل.

جربنا نحن العرب ما عُرف قبل أكثر من عقد "الربيع العربي"، وكان الدافع الأساسي في ذلك الربيع، إن صح التعبير، أن السلطة القائمة سدت أفق التغيير، حتى الشكلي، واعتمدت في ترسيخ سلطتها على الأجهزة الأمنية والقمع، وسُمي كل من له رأي خارجها مشاغباً أو مخرباً، لذلك لجأ الناس إلى الشارع من دون خطة أو تصور للمستقبل أو حتى قيادة رشيدة، فسقطت بعض مجتمعاتنا في الفوضى.

سَدّ أفق التغيير يدخل المجتمعات في الجمود، ويقود إلى الفوضى، وفي نهاية الأمر يخسر الناس مرتين، لأنهم يكونون أمام خيار البقاء في المكان والتصلب المجتمعي، أو خيار السقوط في المجهول. ومع ذلك يستمر بعضهم في تزيين القبيح، وهو السلطة المطلقة، فالانتخابات هي وسيلة لغاية أكبر هي تحقيق عقد اجتماعي يحقق الخير والأمن والتنمية للجميع!

نقلاً عن "النهار"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ظاهرة الانتخابات الاحتجاجيّة ظاهرة الانتخابات الاحتجاجيّة



GMT 08:09 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

بديع المقرئين

GMT 08:07 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

كيف تميزت السعودية سياسياً؟

GMT 08:05 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

لبنان: برنامجا استكمال الهزيمة أو ضبطها

GMT 08:03 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

أوروبا والألسنة الحداد

GMT 08:00 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

الرياض عاصمة العالم... مرة أخرى

GMT 07:49 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

مصادر الطاقة والأمن القومي البريطاني

GMT 07:43 2025 الأحد ,16 شباط / فبراير

مقام الكرد

أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 01:43 2022 الثلاثاء ,14 حزيران / يونيو

ياسمين صبري تزداد أناقة بإطلالات فخمة وراقية

GMT 21:09 2021 الجمعة ,23 إبريل / نيسان

"وحيد القرن" أصغر ثقب أسود قريب من الأرض

GMT 19:35 2021 الثلاثاء ,23 آذار/ مارس

بورصة بيروت تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 05:47 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

تعرف على رسالة ياسر فرج الأخيرة لزوجته قبل وفاتها

GMT 15:13 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أتلتيكو مدريد يصنع التاريخ بالأرقام في الدوري الإسباني

GMT 21:10 2020 الأحد ,27 كانون الأول / ديسمبر

بايرن ميونخ أفضل فريق في 2020 ضمن جوائز "غلوب سوكر"

GMT 13:03 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

طبيب يكشف عن والد طفل عروس بنها في حال حملها

GMT 03:22 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ريم سامي تتألق في مهرجان الجونة السينمائي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon