توقيت القاهرة المحلي 06:58:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إنها أزمة مصطلحات!

  مصر اليوم -

إنها أزمة مصطلحات

بقلم : محمد الرميحي

يختلف بعضنا مع بعض في الأمور السياسية والاجتماعية حتى الدينية، لأننا لم نتفق على المصطلح و«اختلاف المصطلح» في اللغة العربية وافر، فحين يغيب فهم مشترك على المصطلح في المناقشة يحدث الاختلاف، والتنافر.

في كتاب قديم (متاح اليوم على الشبكة العالمية مجاناً) أصدرت سلسلة عالم المعرفة، التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون في الكويت، كتاباً عام 1979 بعنوان «التفكير السليم والتفكير الأعوج» من تأليف روبرت شاولي، ترجمه إلى العربية شيخ المترجمين حسن سعيد الكرمي، صاحب أشهر برنامج للعربية في وقته بمحطة «بي بي سي العربية»، وهو برنامج «قول على قول»، وهو ضليع في اللغة العربية.

في مقدمته للكتاب مسّ المترجم عصباً لا يقربه كثيرون، وبخاصة المتحمسون للغة العربية، أنها تفتقر للمصطلحات الحديثة، وبرر ذلك بأن العالم الذي تقدم في الدول الصناعية الحديثة ابتكر مصطلحات حديثة في لغاته، بسبب التطور التقني، الذي لم تواكبه اللغة العربية.

رجعت إلى تلك الفكرة الشاملة مؤخراً، حيث شاهدت حواراً في إحدى محطاتنا التلفزيونية اشترك فيه «فقيه» كان وزيراً للأوقاف في إحدى الدول العربية، ولأنه معتاد على «حديث المنابر» أخذ موضوع النقاش لمكان يفضله، وهو أن الإرهابيين اليوم الذين يفجرون تقريباً في كل مكان ليسوا من المسلمين. والتفكير العلمي يقول لنا إننا من أجل حلّ المشكلة، أي مشكلة، يتوجب الاعتراف بها أولاً، ثم البحث عن حلول، أما نفيها فذلك يضفي ضبابية على الحلول المتوخاة.

الحقيقة أن كل المجرمين الذين يفجرون في المسالمين في العواصم الكثيرة في العالم، سواء أكانت عواصم إسلامية أم غير إسلامية هم في الغالب، وليس حصراً، من المسلمين الذين يعتمدون على «نصوص» يجري تفسيرها على هواهم في لبس واضح للمصطلحات التي يتبنونها! مستلة من كتب ألّفت في عهود الظلام.

ذهب الرجل للتدليل على أن «الغرب متعصب» بالقول إن «فرنسا تمنع الحجاب للنساء» في مؤسساتها التعليمية، من أجل أن يأخذ المشاهد إلى الاقتناع أن فرنسا «تعمل على عكس ما تدعي من حريات»، لست هنا للدفاع عن فرنسا أو غيرها في موضوع حقوق الإنسان، فهي كغيرها في الغرب الليبرالي ليست امرأة قيصر!! ما يهمني أن الافتراض الذي أقامه ذلك الشخص، وهو افتراض يقول به كثيرون، ضبابي في «المصطلح نفسه»، والسؤال المنطقي: ما شكل الحجاب الإسلامي؟ من قال إن طريقة الملابس، بالشكل هذا أو ذاك، هي من صلب الإسلام؟ هل الحجاب الإسلامي ما تقوله «طالبان» في أفغانستان إنه ما تلبسه المرأة الطالبانية؟ «أي شبكة على الوجه والجسم» تسدل حتى لا أحد يعرف ما بداخلها، هل هو نفس الحجاب الذي تلبسه المرأة التونسية في لباسها التقليدي مثلاً، أو ما تلبسه الإيرانية أو الإندونيسية أو التركية؟ ملابس المرأة، هي كما الرجل، في الغالب «تراث اجتماعي وتقاليد موروثة، كما أنه أيضاً متغير الشكل» يتطور مع الزمن، ولا يوجد لدينا يقين قاطع أن المرأة في التاريخ الإسلامي كانت مقيدة بنوع واحد من الملابس، بل استخدم المظهر الخارجي في بعض الأوقات كسلاح سياسي، كما حدث آخر أيام حكم الشاه محمد رضا بهلوي في إيران، وقتها كان لبس الحجاب في الغالب صورة احتجاجية على السياسات التي اتبعها الشاه، فقد قرر أشكال الملابس بقوة القانون «أي فرضاً». وفي السنوات القليلة السابقة، أصبح رفض استخدام الحجاب في إيران نوعاً من الاحتجاج السياسي، كما شاهدنا قبل عامين في الأحداث التي تمت بعد مقتل مهسا اميني في عام 2022.

الإسلام الحركي أقنع كثيرات بأن الحجاب من أصول الدين، لسبب سياسي، حيث تعرف الأخت الإخوانية بذلك المظهر، وعندما ينتشر «تُرهب السلطة»، ولأن الثقافة الدينية الحقّة باهتة في عقول الكثرة، فمن السهل أخذ الجمهور إلى مكان له شكل التقوى ومخبر السياسة!

في وقت ليس ببعيد حرم في مصر في بداية القرن الماضي لبس البنطال للرجل، حتى العمل في الصحافة، على أن المظهرين مخالفان للدين! وبيننا اليوم من «يفتي» بأن لبس المرأة للبنطال «محرم» لأنه «لا يستر العورة»!! بل البعض قد لا يعرف أن استخدام المطبعة في العالم الإسلامي قد «حرم» لثلاثة قرون، بعد اختراعها في العالم، أما المذهب الحنفي تاريخياً فهو الوحيد الذي أفتى بعدم حرمة الوضوء من الصنبور، لذلك سميت في مصر «الحنفية»! في حين حرمت مذاهب أخرى ذاك الوضوء، يقول لنا التاريخ إن المماليك في مصر حرموا استخدام البارود، لأنه «بدعة»!

وهكذا في غياب تحديد دقيق للمصطلحات في اللغة، بسبب تجاهل التطور التاريخي، نجد أنفسنا في شقاق وخلاف اجتماعي وسياسي حتى ثقافي محتدم.

آخر الكلام... ملابس البشر أياً كانت مقبولة، من باب الحرية الشخصية، وليس الفرض، ومن غير المعقول عقلاً ربطها بالتراث!!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنها أزمة مصطلحات إنها أزمة مصطلحات



GMT 09:06 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 08:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 08:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 08:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 08:52 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أوروبا تواجه قرارات طاقة صعبة في نهاية عام 2024

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

هل هي حرب بلا نهاية؟

GMT 08:48 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب إسرائيل الجديدة

GMT 08:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 23:13 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
  مصر اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 10:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته
  مصر اليوم - أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 04:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات
  مصر اليوم - المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 04:48 2019 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

أصالة تحيى حفلا في السعودية للمرة الثانية

GMT 06:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

محشي البصل على الطريقة السعودية

GMT 04:29 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشّف حقيقة مشاركتها في الجزء الثالث من "كلبش"

GMT 19:36 2018 الأحد ,22 إبريل / نيسان

تقنية الفيديو تنصف إيكاردي نجم إنتر ميلان

GMT 13:02 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

علماء يكشفون «حقائق مذهلة» عن السلاحف البحرية

GMT 20:26 2018 السبت ,31 آذار/ مارس

إيران توقف “تليجرام” لدواع أمنية

GMT 22:47 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

مبابي يغيب عن نادي سان جيرمان حتى الكلاسيكو

GMT 21:12 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

الزمالك يحصل على توقيع لاعب دجلة محمد شريف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon