توقيت القاهرة المحلي 11:34:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إنها أزمة مصطلحات!

  مصر اليوم -

إنها أزمة مصطلحات

بقلم : محمد الرميحي

يختلف بعضنا مع بعض في الأمور السياسية والاجتماعية حتى الدينية، لأننا لم نتفق على المصطلح و«اختلاف المصطلح» في اللغة العربية وافر، فحين يغيب فهم مشترك على المصطلح في المناقشة يحدث الاختلاف، والتنافر.

في كتاب قديم (متاح اليوم على الشبكة العالمية مجاناً) أصدرت سلسلة عالم المعرفة، التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون في الكويت، كتاباً عام 1979 بعنوان «التفكير السليم والتفكير الأعوج» من تأليف روبرت شاولي، ترجمه إلى العربية شيخ المترجمين حسن سعيد الكرمي، صاحب أشهر برنامج للعربية في وقته بمحطة «بي بي سي العربية»، وهو برنامج «قول على قول»، وهو ضليع في اللغة العربية.

في مقدمته للكتاب مسّ المترجم عصباً لا يقربه كثيرون، وبخاصة المتحمسون للغة العربية، أنها تفتقر للمصطلحات الحديثة، وبرر ذلك بأن العالم الذي تقدم في الدول الصناعية الحديثة ابتكر مصطلحات حديثة في لغاته، بسبب التطور التقني، الذي لم تواكبه اللغة العربية.

رجعت إلى تلك الفكرة الشاملة مؤخراً، حيث شاهدت حواراً في إحدى محطاتنا التلفزيونية اشترك فيه «فقيه» كان وزيراً للأوقاف في إحدى الدول العربية، ولأنه معتاد على «حديث المنابر» أخذ موضوع النقاش لمكان يفضله، وهو أن الإرهابيين اليوم الذين يفجرون تقريباً في كل مكان ليسوا من المسلمين. والتفكير العلمي يقول لنا إننا من أجل حلّ المشكلة، أي مشكلة، يتوجب الاعتراف بها أولاً، ثم البحث عن حلول، أما نفيها فذلك يضفي ضبابية على الحلول المتوخاة.

الحقيقة أن كل المجرمين الذين يفجرون في المسالمين في العواصم الكثيرة في العالم، سواء أكانت عواصم إسلامية أم غير إسلامية هم في الغالب، وليس حصراً، من المسلمين الذين يعتمدون على «نصوص» يجري تفسيرها على هواهم في لبس واضح للمصطلحات التي يتبنونها! مستلة من كتب ألّفت في عهود الظلام.

ذهب الرجل للتدليل على أن «الغرب متعصب» بالقول إن «فرنسا تمنع الحجاب للنساء» في مؤسساتها التعليمية، من أجل أن يأخذ المشاهد إلى الاقتناع أن فرنسا «تعمل على عكس ما تدعي من حريات»، لست هنا للدفاع عن فرنسا أو غيرها في موضوع حقوق الإنسان، فهي كغيرها في الغرب الليبرالي ليست امرأة قيصر!! ما يهمني أن الافتراض الذي أقامه ذلك الشخص، وهو افتراض يقول به كثيرون، ضبابي في «المصطلح نفسه»، والسؤال المنطقي: ما شكل الحجاب الإسلامي؟ من قال إن طريقة الملابس، بالشكل هذا أو ذاك، هي من صلب الإسلام؟ هل الحجاب الإسلامي ما تقوله «طالبان» في أفغانستان إنه ما تلبسه المرأة الطالبانية؟ «أي شبكة على الوجه والجسم» تسدل حتى لا أحد يعرف ما بداخلها، هل هو نفس الحجاب الذي تلبسه المرأة التونسية في لباسها التقليدي مثلاً، أو ما تلبسه الإيرانية أو الإندونيسية أو التركية؟ ملابس المرأة، هي كما الرجل، في الغالب «تراث اجتماعي وتقاليد موروثة، كما أنه أيضاً متغير الشكل» يتطور مع الزمن، ولا يوجد لدينا يقين قاطع أن المرأة في التاريخ الإسلامي كانت مقيدة بنوع واحد من الملابس، بل استخدم المظهر الخارجي في بعض الأوقات كسلاح سياسي، كما حدث آخر أيام حكم الشاه محمد رضا بهلوي في إيران، وقتها كان لبس الحجاب في الغالب صورة احتجاجية على السياسات التي اتبعها الشاه، فقد قرر أشكال الملابس بقوة القانون «أي فرضاً». وفي السنوات القليلة السابقة، أصبح رفض استخدام الحجاب في إيران نوعاً من الاحتجاج السياسي، كما شاهدنا قبل عامين في الأحداث التي تمت بعد مقتل مهسا اميني في عام 2022.

الإسلام الحركي أقنع كثيرات بأن الحجاب من أصول الدين، لسبب سياسي، حيث تعرف الأخت الإخوانية بذلك المظهر، وعندما ينتشر «تُرهب السلطة»، ولأن الثقافة الدينية الحقّة باهتة في عقول الكثرة، فمن السهل أخذ الجمهور إلى مكان له شكل التقوى ومخبر السياسة!

في وقت ليس ببعيد حرم في مصر في بداية القرن الماضي لبس البنطال للرجل، حتى العمل في الصحافة، على أن المظهرين مخالفان للدين! وبيننا اليوم من «يفتي» بأن لبس المرأة للبنطال «محرم» لأنه «لا يستر العورة»!! بل البعض قد لا يعرف أن استخدام المطبعة في العالم الإسلامي قد «حرم» لثلاثة قرون، بعد اختراعها في العالم، أما المذهب الحنفي تاريخياً فهو الوحيد الذي أفتى بعدم حرمة الوضوء من الصنبور، لذلك سميت في مصر «الحنفية»! في حين حرمت مذاهب أخرى ذاك الوضوء، يقول لنا التاريخ إن المماليك في مصر حرموا استخدام البارود، لأنه «بدعة»!

وهكذا في غياب تحديد دقيق للمصطلحات في اللغة، بسبب تجاهل التطور التاريخي، نجد أنفسنا في شقاق وخلاف اجتماعي وسياسي حتى ثقافي محتدم.

آخر الكلام... ملابس البشر أياً كانت مقبولة، من باب الحرية الشخصية، وليس الفرض، ومن غير المعقول عقلاً ربطها بالتراث!!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إنها أزمة مصطلحات إنها أزمة مصطلحات



GMT 08:58 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 08:47 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 08:43 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 08:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 07:32 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا تفعلون في هذي الديار؟

GMT 07:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 07:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 07:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon