توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البقاء في الزمن القديم!

  مصر اليوم -

البقاء في الزمن القديم

بقلم: محمد الرميحي

نادراً ما تخصص مجلة معترف لها بالموضوعية والمهنية العالية على نطاق واسع مثل مجلة «الإيكونوميست» الأسبوعية مكاناً لمناقشة عمل درامي عربي. في عدد الأسبوع الثاني من هذا الشهر من المجلة المذكورة، خصص حوالي نصف صفحة لمناقشة مسلسل «الاختيار 3»، الذي كتب عنه في الصحافة العربية الكثير، كما هو متوقع، فإن المجلة بدأت مناقشتها بالقول «إن المسلسل سرد نهاية أول ديمقراطية في مصر»، وتلك وجهة نظر منتشرة في الصحافة الغربية، ولكن ليست بالضرورة رأياً قطعياً في الموضوع، إن عرفت التفاصيل، حيث تجاهل الكاتب المظاهرات العارمة للشعب المصري في 30 يونيو (حزيران) 2013.

في الأسبوع نفسه الذي كرم فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي، أبطال العمل أمام جمهور كبير، وتحدث عن أهمية الأعمال الدرامية والفنية في توعية المجتمع، الحقيقة التي يعرفها بعضنا أن الأعمال الفنية الجادة هي جزء من القوة الناعمة التي تمتلكها الدولة، في الأسبوع نفسه يقتل «الجهاديون»، كما يسمون أنفسهم، أكثر من عشرة جنود مصريين يحرسون موقعاً مدنياً! وهو أسبوع العيد!
لذلك فإن الصورة التي أمامنا صورة أهم وأوسع من حدث في عمل درامي، القضية أن هناك ثقافة عامة لمليارات البشر اسمها الإسلام أصبحت مختطفة على نطاق واسع، وهذا الاختطاف جعل من البعض يكيل اللوم القاسي إلى تعاليم الإسلام! وليس إلى فئة صغيرة ممن يقولون عن أنفسهم أنهم مسلمون (جهاديون)! ويرتكبون أبشع الجرائم، وعملهم أقرب إلى الإجرام من أي شيء آخر.
هذا الملف بالذات قليل الاقتراب منه، وقد جعل من البعض، حتى في النسيج الاجتماعي المسلم، يُسلم بأن المشكلة التي تواجهنا هي في النصوص!
عملية القتل الإجرامي للجنود المصريين، وهي ليست الوحيدة، ولا أعتقد أنها ستكون الأخيرة في مصر أو في أماكن أخرى، هي ديدن هذه الجماعات، ومن دون حملة ثقافية موسعة ودؤوبة - لمحاولة فك الاشتباك بين التفسير العقلي للإسلام وبين التفسير «المسيس»، كما تفعل جماعات وأفراد متدرجي الألوان بين التشدد الكامل والتشدد الأقل، وهي مجموعة من المدارس انتشرت في ثقافتنا الإسلامية منذ قرن على الأقل، ما زالت باقية إلى يومنا هذا ومظهرها من جانب توظيف سياسي - ثقافي، ومن جانب آخر مسايرة قد تكون غير واعية من بعض السلطات - أقول من دون حملة ثقافية دؤوبة لا يمكن استئصالها بسهولة.
لقد أحدثت تلك المدارس الكثير من المآسي، حتى أصبحت مفاهيم «التطرف والإرهاب» ملاصقة للإنسان المسلم أينما حل! دون فك الاشتباك سوف تبقى المجتمعات مرتهنة للزمن القديم!
لعل النقاش في هذا الموضوع يحتاج إلى جهود متعددة ومتسقة على قاعدة الفهم الحديث للنصوص، لقد جعلت وسائل الإعلام الحديثة، خصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي، بث تلك الأفكار (غير العقلانية) بتحميل النص أكثر مما يحتمل، أو التفسير «شبه الخرافي» للنصوص، جعلت منها عملية «اقتصادية» للبعض، أو لمن يريد أن يروج لنفسه في فضاء مُغيب، وتكاثرت تلك الأفعال حتى أصبحت شبه سائدة، طبعاً وسائل التواصل الاجتماعية وفرت منصات لكشف الزيف للكثير من هؤلاء بعرض ما كان يقول في السابق (في موضوع ما) وما يقوله اليوم في الموضوع نفسه، إلا أن تلك الجهود في الغالب فردية ولا تصل إلى المجموع الغافل أو المقتنع بما يقال له من أساطير.
مسلسل واحد أو كتاب أو برنامج تلفزيوني لا يستطيع أن يواجه ذلك السيل العارم من التجهيل والتغييب باسم الدين، والغائب عن فهم واقعي للنصوص، أساسه خلط جاهل بين النصوص العامة والمتعدية للزمن، مثل العدالة والرحمة وكرامة الإنسان، وما يشببها من نصوص تكون عادة عابرة للزمن، وبين نصوص أخرى لها علاقة بأحداث زمنية انتهى مفعولها، كانت تقدم حلولاً لمشكلات واجهت ذلك المجتمع القديم.
على سبيل المثال لا الحصر، لقد وقفت المطبعة الحديثة على أبواب ديار الإسلام ثلاثمائة عام بسبب فتوى متشددة من «عالم خارج عصره»! ففقد العالم الإسلامي رافعة للعلم الحديث لقرون! وتدخل البعض حتى في شكل الملابس وطريقة التداوي التي فسرت تفسيراً قادماً من ذلك الزمن، وبقيت كثير منها حتى اليوم عالة على الدين، ولكن الأكثر ألماً على العاقل أن يرى التفسير السياسي المنحرف ودراسة الماضي تعطينا أمثلة لنوع ذاك التوظيف السلبي!
كأمثلة لمدعين في الماضي لتفسير ذلك التوظيف الاستنسابي، فقد قام كل من نابليون، وموسوليني بعده بسنوات، بإعلان اعتناق الإسلام عندما تقربوا إلى المجتمعات الإسلامية، وقتها احتفل بذلك الخبر البعض فرحاً، كما يحتفل البعض اليوم «بدخول شخص ما» إلى الإسلام! أو الاحتفال أن الزعيم الفلاني للبلاد الكبيرة يضع نسخة من القرآن الكريم على مكتبه! ويفوت على كثيرين فهم التكسب السياسي من تلك الأعمال إن كانت صحيحة! أما تجربة «الإسلام والفوهرر» فقد وثقت في عدد من الدراسات العودة إليها تؤكد أن البعض وقتها بجهل أو تكسب سياسي، ربط الإسلام العظيم بشيء عابر هو النازية الألمانية المتوحشة، في الوقت نفسه الذي يتجاهل أو يُضيع أو لا يكون على قمة الأجندة ملفات التقدم العلمي والتقني الذي هو صرعة العصر وسر قوة الشعوب.
هناك الكثير من المبادئ الإسلامية الإنسانية العظيمة، منها الرأي القاطع أن «لا رهبانية في الإسلام»، فليس هناك وسيط بين الرب وعبده، ومن يدعى الوساطة فهو محتال ومتكسب، وليس لأحد مهما كان أن يدعي العصمة، كما أن أهمية العمل وبذل الجهد في إعمار الدنيا واحترام آدمية الإنسان لها قيمة متقدمة في الإسلام، فكل قول يمكن أن يؤخذ منه ويرد عليه! وأن قتل إنسان واحد دون حق كمثل قتل الناس جميعاً، وذلك غيض من فيض في تلك المبادئ الكبرى التي جعلت من مليارات البشر يعتنقون هذه الديانة، أما قتل الناس وتفجير المؤسسات وتجهيل البشر فهي أمور معادية للإسلام ومضرة بالمسلمين، من هنا علينا أن نشير إلى تلك الجماعات ليس بالضالة فقط، ولكن كونها عصابات إجرامية تنفي عدالة وإنسانية الدعوة الإسلامية.
آخر الكلام:
الحاجة إلى مشروع تنوير يبدأ بالمدارس والأسر ودور العبادة وانتهاء بسياسات واعية من الدول التي يهمها المساهمة في العصر الحديث. في الوقت نفسه تعرية المدعين الذين يبيعون الأوهام إلى العامة على أنها من صلب دينهم!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البقاء في الزمن القديم البقاء في الزمن القديم



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon