توقيت القاهرة المحلي 21:22:15 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المُضطَّهَد يتحوَّل إلى مُضطهِد!

  مصر اليوم -

المُضطَّهَد يتحوَّل إلى مُضطهِد

بقلم: محمد الرميحي

كل صباح يأتينا خبر من فلسطين المحتلة بقتل عدد من الفلسطينيين، كما يأتي خبر آخر بقتل عدد من الإسرائيليين، في الوضع العالمي، وموازين القوى السائدة، يأتي الشجب على قتل الإسرائيليين عالياً، ويأتي الشجب على قتل الفلسطينيين متواضعاً، في علاقة مطردة ومستمرة بين الظلم والتطرف.

على الجانب العربي، في الغالب ينشط المتحمسون العرب للقضية للعن القوة الغاصبة، والدفع بكم كبير من الحبر على صفحات الإدانة هنا وهناك للعرب الآخرين، في تعبير فج على فهم خاطئ للأولويات، دون المرور على الوجع الفلسطيني، وهو تشرذم القيادات، إلا أن ما لا يمكن إنكاره هو تصميم الفلسطيني المواطن على التشبث بأرضه.
حيَّرني بعد هذه السنوات من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وملفاته وفي مرحلة الصراع العربي الإسرائيلي، أننا كعرب بشكل عام نحمل «عاطفة جياشة» تجاه القضية، وفي الوقت نفسه مفلسون معرفياً تقريباً عن خفاياها، ولا أقول ما سبق بشكل عاطفي، والدليل أن هناك عشرات المراكز الإسرائيلية البحثية، يكون تركيزها معرفة العرب، دول ومجتمعات وسياسات، وفقر في الجانب الآخر، أي معرفتنا بذلك المجتمع، أو بالأحرى «المجتمعات»، التي تشكل دولة إسرائيل اليهودية اليوم فقيرة.
كتاب يعد للنشر في مايو (أيار) المقبل للمؤرخ العربي اليهودي، الذي يعمل اليوم في جامعة أكسفورد آفي شليم، والكتاب بعنوان «ثلاثة عوالم: مذكرات يهودي عربي»، وقد خصني بمختصر موسع منه، والكتاب يصف بشكل واضح ما يمكن أن يسمى «العنصرية الصغرى» بين المكونات الإسرائيلية.
قراءة هذا الكتاب تخبرنا كم نحن في وادٍ في ثقافتنا العربية، التي تعتقد أن عدم رؤيتنا للواقع يغير الواقع نفسه، بالتالي تصل إلى راحة نفسية مؤقتة، وقد مُنع المتابع العربي من المعرفة الحقيقية والعلمية لهذا المجتمع (المجتمعات) التي تعيش في دولة إسرائيل، وما هو متوفر بالعربية قليل القليل، بل وممنوع من التداول.
من أب وأم عراقيين ولد آفي شليم في بغداد عام 1945 الأب رجل أعمال ناجح يعمل في استيراد مواد البناء، وأم متفرغة للعائلة، وهي عائلة مرتاحة اقتصادياً، إلى درجة أن في البيت اثنا عشر شخصاً من الخدم، معرفة الأب بالدوائر العليا في بغداد يعني أنه على اتصال وثيق برئيس الوزراء وقتذاك نوري السعيد، وأيضاً بالوصي عبد الإله وكبار القوم.
يعرض لما عرف بـ«هوجة الفرهود» في التاريخ العراقي، وهي أعمال عنف استهدفت سكان بغداد وأيضاً البصرة من اليهود عام 1941. بسبب قمع البريطانيين لثورة رشيد عالي الكيلاني، فتم حرق منازل وممتلكات بعض اليهود العراقيين، الذي يقدرهم عددهم وقتها في العراق بما يفوق مائة ألف شخص، وعلى عكس السائد في التفسير أن «الفرهود» كان حركة مضادة للسامية، يرى الكاتب من خلال بحثه، أن سببها السفير البريطاني وقتها في بغداد «كينهان كرون ولس»، الذي استخدم اليهود كبشَ فداءٍ، عندما وجد الشعور الشعبي متصاعداً ضد البريطانيين. نهب وقتل بعض اليهود كونهم «أصدقاء البريطانيين»، وليس لأن هناك شعوراً ضد السامية، كما يؤكد الكاتب.
بعد قيام إسرائيل 1948 واندلاع حرب فلسطين الأولى اضطرت الأسرة مع آخرين إلى الهجرة لإسرائيل، بعد توقف في قبرص لعدد من الأشهر، أما الوالد، فقد هرب عن طريق الكرد إلى إيران، ومنها إلى الأسرة في إسرائيل. يؤكد آفي شليم ثلاث حقائق هنا، الأولى أن العائلة والكثير من اليهود العراقيين ليس لديهم تعاطف مع الحركة الصهيونية، ولا هم من مؤيديها، والحقيقة الثانية أن التفجيرات التي حدثت في بغداد (1950 - 1951) كان كثيراً منها بيد عملاء إسرائيليين، كما أكد للكاتب أحد المنفذين لتلك التفجيرات بعد عقود، وهو يتابع جمع مواد لهذا الكتاب، أما الحقيقة الثالثة أن تلك الممارسة (التفجيرات للممتلكات اليهود) حدثت مثلها في مصر 1954 فيما عرف بـ«فضيحة لافون» المشهورة. أي أن هناك عمليات سرية قامت بها الحركة الصهيونية لدفع اليهود في أكثر من مكان للسفر إلى إسرائيل!
يصف الكاتب تلك السياسة أنها «الصهيونية المتوحشة» بأنها «علم إسرائيل الزائف»، الذي عمل في بلدان عديدة على حث أو «إرغام اليهود» للذهاب إلى إسرائيل، كي يكونوا حربة في وجه السكان العرب.
غادر آفي عام 1950 إلى إسرائيل وفقدت الأسرة كل دخلها إلى درجة أن الأم المرفهة في بغداد اضطرت إلى أن تعمل عاملة تليفونات في المنطقة التي سكنت فيها العائلة.
لم يستطع الطفل أن يتكيف مع المحيط الذي كان مسيطراً عليه من الطائفة الأشكنازية (يهود الدول الغربية)، وكان اليهود الشرقيون (يهود مزراحيم) بشكل عام يعاملون معاملة الدرجة الثانية، أما العرب اليهود كمثل آفي، فهم في الدرك الأسفل، لأن الأشكنازية لا يستطيعون أن يهضموا أن تكون يهودياً وعربياً في الوقت نفسه، كانت معلمته في الفصل يهودية من ألمانيا (متعالية) ومزدرية لأمثاله من اليهود الشرقيين. العائلة كانت تتكلم العربية في المنزل، أما إذا خاطبه أحد من العائلة في الشارع بالعربية فهو يتوارى خجلاً، لقد تكونت لديه عقدة هوية مركبة لم يستطع منها فراراً.
المجتمع الإسرائيلي يحكم اليوم من النخب الأشكنازية، وهي امتداد بشكل ما (للمركزية الأوروبية)، أما اليهود سواء كانوا عرباً أو شرقيين، فهم مواطنون من درجات دنيا، تم العمل على تزييف وعيهم لتحقيق أهداف تلك النخب الغربية، وقد استخدم في ذلك كل «الحيل النفسية والسياسية».
قد تصل من السرد أن «الخوف» من العرب، وتضخيم تهديدهم «للفرد اليهودي»، هو الرابط الذي يجمع تلك الثقافات على ما بينها من تباين، وبذلك تكوين «العنصرية الكبرى» والموجهة ضد العرب لأنهم «خطر وجودي». تلك الفكرة الأساسية، حري بالعرب أن يفكروا فيها بطريقة علمية خالية من العواطف.
المؤسف أن مثل هذا الكتاب الواضح في سرد فسيفساء المجتمع الإسرائيلي، تجد من العرب من يعترض على ترجمته وحتى قراءته، ولأسباب ثقافية وسياسية جامدة، في حملة غير متبصرة لعرقلة فهم ما يدور في إسرائيل، ذاك محرم على القارئ العربي، وذلك مسار يناقض أي تفكير عقلاني.
آخر الكلام:
لم أسمع أن شخصاً مثل آفي شليم قد دعي محاضراً في محفل عربي!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المُضطَّهَد يتحوَّل إلى مُضطهِد المُضطَّهَد يتحوَّل إلى مُضطهِد



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon