توقيت القاهرة المحلي 10:33:04 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإغراق في المواطنة من أجل دحضها

  مصر اليوم -

الإغراق في المواطنة من أجل دحضها

بقلم :محمد الرميحي

أعرف أنَّ العنوان غامض، وأرجو صبر القارئ. التفسير أن هناك دولاً تبالغ في إعلاء المواطنة القومية لنفسها، وفي الوقت نفسه تحط من رغبة الآخرين في إعلاء وطنيتهم أو قوميتهم! ما أفكر فيه على وجه التحديد هو موقف إيران تجاه جيرانها العرب، لأنه مقلق ولأنه ينشب أظافر مصالحها في رقاب شعوب عربية قد تكون فقدت القدرة على مقاومته. لو قرأنا الموقف الإيراني تجاه الغرب والولايات المتحدة من جهة، والجهد المبذول من طرف الدولة الإيرانية لبناء موقف وطني (قومي) مضاد، لاعتبرنا أن هذا البناء هو حائط الصد كما يراه راسم السياسة الإيرانية، لذلك يعتبر مئات الآلاف الذين يعارضون سياسة الجمهورية الإسلامية من المواطنين الإيرانيين عبارة عن (خونة) يجب التخلص منهم، وبالتالي تكثر الاغتيالات غير الرسمية أو الإعدامات الرسمية للنساء وحتى اليافعة تحت السن القانونية، متى ما اتهم الشخص بأي من تلك التهم، والتي هي «خيانة الوطن»، أي عدم الولاء للنظام القائم. عدد من المواطنين الإيرانيين حتى من أولئك الذين لا ينتمون إلى الصف الآيديولوجي، يسارعون للدفاع عن سياسة النظام حباً في الوطن الأم وفخراً به. أحدهم هو حومد مجد صاحب كتاب «آيات الله يطالبون بالاختلاف» من بين عدد من الكتب، يقول إنه لما كان طالباً في إحدى المدارس الغربية ويُفصح لزملائه أنه من إيران، يتساءل معظمهم وأين تقع إيران؟ أما اليوم فإنَّ اسم إيران على كل لسان كما يقول، وهذا فخر له. الرجل ليس من العامة ولكنْ مؤلف وكاتب، الدليل ذاك يأخذنا إلى ما يمكن أن يسمى الفخر القومي، لذلك نجد أن كثيراً من الإيرانيين في الغرب يدافعون (من منطلق قومي) عن سياسة النظام رغم معرفتهم اليقينية على انحرافه عن حقوق الإنسان أو حتى التنمية بمعناها الشامل.
هنا يظهر التناقض الكلي بين تعظيم «الأنا» الوطنية، وتحقير الأنا الوطنية الأخرى، فعلى مقلب آخر الاعتراف الإيراني بما يمكن أن يسمى «الولاء الوطني» العربي في كل من سوريا أو لبنان أو اليمن أو العراق غير معترف به لدى النظام، بل ومتجاهل وفي مكان غير معلن (محتقر). واحد من الأسباب التي جعلت شعوباً عربية تنتفض ضد الحكم العثماني ومن بعده الاستعماري في أكثر من بلد عربي شيء اسمه (الحصانة القضائية والقانونية للأجنبي) يمكن للمرء أن يذكر العديد من أحداثها التاريخية، فقد كان الإيطالي أو اليوناني أو البريطاني في مصر والشام وغيرها من بلاد العرب (محمي) من المساءلة القانونية في حال ارتكابه جرماً مشهوداً، كل ما كان يحدث أن يسلم هذا الشخص إلى البلد الذي ينتمي إليه ليحاكم هناك، بل إن أحد أسباب تصاعد المعارضة ضد محمد رضا بهلوي هو موافقته على السماح لحصانة الجنود الأميركان في حال ارتكابهم جرماً على الأراضي الإيرانية، ويذهب بعض المتابعين للقول إن احتلال السفارة الأميركية في طهران في أبريل (نيسان) 1980 والتي سميت «مخلب النسر»، هي جزئياً عملية ثأرية لتلك الحماية غير المستحقة في نظر الأكثرية. الأمثلة الصارخة المضادة التي يقوم بها النظام الإيراني لدحض حق الدول العربية في الشعور الوطني، تظهر لنا في أكثر من مكان على أنها سياسة (دحض ممنهجة). المواطنة في الدول العربية التي تهيمن عليها إيران اليوم مشوهة، فشخص اسمه سليم عياش صدر عليه حكم ناجز من محكمة دولية وبعد سنوات من التحقيق والتمحيص في اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري، الآن أن النفوذ الإيراني المتمثل في ذراع «حزب الله» في لبنان والذي كان خلف جريمة الاغتيال يرفض تسليم المُدان، بل في الغالب يجد المدان ملاذاً آمناً في مكان ما من أرض الجمهورية الإسلامية، أي أن السيادة اللبنانية غير معترف بها ومتجاهلة إلى حد الاستحقار، وأيضاً نجد من يقتل المتظاهرين في شوارع بغداد والمدن العراقية الأخرى، ولا يقدم إلى العدالة، بل يسير حراً بسلاحه لأن النظام الإيراني يريد ذلك ويحميه، ويفرض هذا النظام أن يحتفل بذكرى مقتل ميليشياوي متهم بسفك دماء عدد كبير من المواطنين العرب في سوريا ولبنان وغيرها، بفرض الاحتفال بذكراه في بيت الأمة العراقي غصباً عن أي رأي آخر بما فيه معظم المواطنين العراقيين. المشروع السياسي الإيراني القائم غارق في الشقاء، وقد أغرق معظم الإيرانيين والكثير من العرب معه في لجة آيديولوجيا ليس لها قرار، بل تميل إلى نوع من الفاشية المذهبية المدمرة والتي شهدتها أوروبا بعد الحرب العظمى الأولى. تتسم علاقة العرب بالإيرانيين بعنف شديد يظهر في تسمم العلاقة بين السنة والشيعة، ويتحول في بعضه إلى عنف مدمر ويترجم بمجازر مروعة يبدأ بعنف لفظي وينتهي بتفجير الجوامع والحسينيات وينظر المراقب بحسرة كيف أن مرحلة صعود القومية العربية لم يكن هناك ذلك الشقاق، فقد كان بطل العرب القومي (كما يعتقد كثيرون) جمال عبد الناصر متزوجاً من ابنة تاجر إيراني مهاجر إلى مصر، وهي تحية كاظم، ولم يتوقف أحد ليضع ذلك الموضوع محل تساؤل، بل إن الزواج بين الشيعة والسنة في بلاد مثل لبنان ودول الخليج كان وما زال مستمراً من دون أن يرفع أحد حاجبه ليتساءل أو أكثر من ذلك يعترض. الوصاية الإيرانية على مقدرات الشعوب العربية المجاورة هي المرفوضة، وهي وصاية لا تسعى كما هو ظاهر لإيجاد أرضية مشتركة. المشروع الإيراني يقاوم مشاطرة معايير العصر، وقد يتساءل البعض كيف لبلد أنتج كل هذه الثقافة وأنجب سعدي والشيرازي ومسعود وعمر الخيام وابن سينا والآلاف من العلماء والشعراء، أن يتحول إلى بلد مغلق خائف وقمعي في الداخل وعدواني في الجوار ومعادٍ للعالم؟ ذلك ليس جديداً في التاريخ فالحضارات تصاب بالنكبات، فقد ظهر بلد أوروبي رفد العالم بكبار الفلاسفة والفنانين وشكل حضارة علمية مشهودة، بلاد غوته وبتهوفن وكانط هي نفسها بلاد غوبلز وهملر وهتلر وسنوات الرعب والحروب، وأيضاً هي نفسها التي تحولت إلى بلد الديمقراطية الرشيدة والتي تقود أوروبا اليوم في ساحة التسامح والعلم. لقد عادت ألمانيا إلى نهضتها، فهل تعود إيران إلى مجدها التاريخي؟ الجواب ممكن عندما يختفي المسخ ويظهر الحضاري والإنساني والعقلاني.
آخر الكلام:
لقد بدأت بعض النخب في الدول العربية التي ابتليت بالاحتلال الإيراني تفصح أنها مستعدة لأن تضع ملفات الإصلاح والفساد وتدهور الخدمات وسقوط عملتها الوطنية في مكان متأخر على مطلب السيادة الوطنية التي انتهكتها إيران.. مطلب السيادة الوطنية هو الأول لأنه المدخل لكل إصلاح.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإغراق في المواطنة من أجل دحضها الإغراق في المواطنة من أجل دحضها



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
  مصر اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon