توقيت القاهرة المحلي 20:36:25 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مقتل هنيّة... السّرديّة الأخرى

  مصر اليوم -

مقتل هنيّة السّرديّة الأخرى

بقلم : محمد الرميحي

ما إن عرف العالم بمقتل السيد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، حتى انطلقت كمية من التفسيرات، بعضها يمكن أن يكون مقبولاً، والآخر قريب إلى سيناريوات هوليوود المليئة بالمغامرات، وتغيرت معلومات طريقة القتل مع مرور الساعات، وحتى من قام بالفعل تغيرت خلفيته.

يكاد يجمع المؤرخون الجدد في إسرائيل على أن الدولة العبرية لم يكن بالمستطاع أن تقوم لولا الإمبراطورية البريطانية، ولم يكن بالمستطاع أن تبقى لولا الولايات المتحدة، هذا يعني الأهمية القصوى للدول الكبرى في رسم خرائط الدول في العالم الثالث وتقريرها، وبخاصة بعد الحرب العالمية الثانية. أما العنصر الثالث للدولة العبرية، فهو الجهد المنظم والقريب إلى الفهم العلمي في إنشاء مؤسسات الدول وتطويرها، من جهة، ومن جهة أخرى، الاعتماد على قوة ضاربة، ولكن ليست متصلة علناً بالدولة وهي الإرهاب. يكفى أن نتصفح مجلد الموسوعة البريطانية الصادر في السنوات الأولى من سبعينات القرن الماضي ونذهب إلى موضوع الإرهاب في الشرق الأوسط، فلن نجد إلا موضوعاً واحداً وهو إرهاب العصابات الصهيونية في فلسطين، قبل أن يُعرف أي إرهاب آخر في المنطقة. المعنى هنا أن إسرائيل قامت على ثلاث ركائز واضحة: العلاقات الوثيقة مع الدول الكبرى النافذة، واستخدام العنف المفرط، والهندسية الاجتماعية/ السياسية الحديثة.

لا يحتاج القارئ الفطن إلى التعرف إلى الثلاث، وبخاصة العلاقات مع الدول الكبرى! تكفي الإشارة إلى أن السجناء لدى "حماس" في غزة هم إما ألمان أو بريطانيون أو روس أو أوكران أو فرنسيون! وغيرهم من مزدوجي الجنسية.

وعندما اختار أنور السادات الذهاب إلى السلام، وهو رئيس أكبر الدول العربية، لم يكن جباناً، ولكنه كان مطلعاً على البعد الدولي في تأمين الوجود الإسرائيلي، ليس في صيغته الغربية فقط، ولكن أيضاً الشرقية، فمن الوثائق التي قالها في العلن إنه زار الاتحاد السوفياتي ثلاث مرات قبل حرب عام 1973، وفي كل مرة كانت القيادة السوفياتية وقتذاك تؤكد احترام حدود إسرائيل!

الفكر السياسي العربي المزايد، من "جبهة الرفض" إلى "محور المقاومة" بسبب أزمة فكرية متأصلة، لم يستطع ولا يستطيع هضم تلك الحقائق. عرفت تلك الحقائق نسبياً منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن تحت سيل المزايدة، تلكأت حتى فوتت تلك المزايدة الفرص المتاحة!

بعد مقتل هنية سمعنا الكثير من المزايدات، إلى درجة أن صحافياً فلسطينياً يعيش منذ سنوات في لندن، وفي راحة تامة، بدا يزأر: أين أنت يا إيران، كيف تقبلين بالإهانة؟ إلى آخر ذلك الزئير الفج.

التضحيات التي قدمت في غزة هائلة ولا حاجة لترديد أشعار البكاء، ولكنها تعني من جانب آخر عدم وجود قراءة صحيحة وموضوعية للساحة السياسية. متخذ القرار في 7 تشرين الأول (أكتوبر) في الغالب خدع، على أقل تعبير، من أجل تنفيذ أجندة إيرانية تتكئ على المناكفة، إذ تحركت الأمور إلى مسيرة صلح يأخذ الفلسطينيون منها بعض حقوقهم، فأريد قطع ذلك التوجه، وتحت وهم "وحدة الساحات" أدخل أهل غزة إلى الجحيم، ولم تكن وحدة الساحات إلا وهماً عرفه الجميع اليوم عملياً، وكان من قبيل المزايدة لا أكثر.

نعود إلى من قام بقتل هنية، واضح أن الأمر تم في الداخل الإيراني، وهو جزء من الصراع بين أهل الدولة وأهل الثورة في إيران، والجسم الأخير (فصيل الثورة)، وبسبب تطور المشهد في إيران وخارجها، له اليد الطولى في تقرير ما يجب أن يتم معتمداً على المزايدة، وبانتخاب رئيس قيل إنه إصلاحي كان القلق لدى هذا الفصيل من أن يعيد مسيرة محمد خاتمي أو حتى هاشمي رفسنجاني ذوي البعد التصالحي النسبي، فلا بد من صعقة مدوية، كمثل مقتل هنية لإيقاف أي تفكير في الإصلاح حتى ولو شكلياً. في خلفية الصورة تشابه قد يكون من قبيل الملهاة بين مقتل هنية وأحداث 7 أكتوبر، فكلاهما عمليات مسبقة لأي تغيير يسد الطريق على مسار التشدد والمزايدة والعنف.

قوى التشدد في إيران أصبحت لها مؤسسات ومصالح وأذرع اقتصادية وسرى فيها الكثير من الفساد، كل ذلك أدخل الخوف في بعض فروعها، فقام جزء منها بعملية الاغتيال، أو ربما التعاون مع الفاعلين، في عملية توحد المصالح، وكثيراً ما يحدث في السياسة وفي غيرها أن يجتمع نقيضان ضد شر ثالث يراه الجميع أكثر خطورة!

هنا يكون اعتراف النظام الإيراني بذلك الصراع بمجرد الإعلان عن القبض على عشرين شخصية من الأمن، وربما من الحرس الثوري، هو اعتراف بأن العملية داخلية، أو فيها عناصر مؤثرة داخلية، في امتداد للصراع المحتدم بين الجناحين والذي لا يمكن أن تحسمه صناديق الانتخاب.

هناك أيضاً مصلحة للدولة العبرية في الحدث، أكانت مشاركة أم مراقبة، هو تضخيم لقدرة اليد الطويلة الإسرائيلية، وهي بحد ذاتها تقدم للجمهور الإسرائيلي نوعاً من الاطمئنان، كما تبعث الرعب في جمهور واسع يصدق قدرة اليد الطويلة، بعدما فشلت في تسعة أشهر ونيف حتى الآن في أن تصل إلى يحيى السنوار في غزة، وهي تكاد تكون بالكامل تحت البندقية الإسرائيلية.

تلك هي السردية الأخرى في مقتل هنية!

نقلا عن النهار

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مقتل هنيّة السّرديّة الأخرى مقتل هنيّة السّرديّة الأخرى



GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

‫تكريم مصطفى الفقى‬

GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:20 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسماء جلال وأسماء أبو اليزيد تتنافسان في الغناء والسينما
  مصر اليوم - أسماء جلال وأسماء أبو اليزيد تتنافسان في الغناء والسينما

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon