توقيت القاهرة المحلي 20:16:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العمل الخيري في زمن الذكاء الصناعي!

  مصر اليوم -

العمل الخيري في زمن الذكاء الصناعي

بقلم: محمد الرميحي

في شهر رمضان المبارك تنتعش النفوس لعمل الخير في الكثير من المجتمعات العربية، وهي خصيصة إنسانية إيجابية مرحَّب بها، وربما هي واضحة في مجتمعات الخليج، حتى قيل ربما بشيء من المبالغة إن السلعة الثانية التي تصدّرها هذه المجتمعات بعد النفط هي أعمال الخير. وقد اشتهر عدد من الشخصيات بقيامهم بأعمال الخير في كلٍّ من أفريقيا وآسيا وحتى محلياً. ولأن العاطفة الدينية تكون في أعلى مراحلها في شهر الخير، تنشط جماعات وأفراد لجمع التبرعات بعضها منظَّم كما حدث أخيراً في المملكة العربية السعودية، التي قامت بتنظيم هذا النشاط من خلال المنصات الإلكترونية ورقابة فاعلة، وبعضها غير ذلك، كما في بعض دول الخليج الأخرى، ويُترك العمل الخيري «سائباً» يستفيد منه أشخاص أو جماعات وجهها غير واضح المعالم. اللافت أن بعض تلك الجماعات والأفراد قد لجأوا من أجل جمع الأموال إلى «الإعلان» في وسائل التواصل الاجتماعي، إما عن طريق الرسائل المباشرة («واتساب» مثلاً) أو الوسائل المفتوحة («تويتر» مثلاً) من أجل التوسل للتبرع من الجمهور... بعض هؤلاء الأفراد وتلك الجماعات لا يعرف أحد أين يذهب المال الذي يتبرع به «حسنو النية» من المواطنين إليهم، حيث لا رقابة ولا إثبات لحجم ما يُجمع أو طريقة إنفاقه. لقد أصبح «طلب الإحسان» كالـ«بزنس» للبعض مع وضع صورة لأشخاص تدل ظاهرياً على الورع والادعاء بما سوف يقوم به لفظاً بعد جمع المال. البعض في إعلاناتهم لا يتردد في تبرير جمع المال بادعاء تحقيق أهداف قد لا يتفق معها العقل السليم ولا يدعو إليها الدين الحنيف، بل هي تقع في إطار البدع التي قد تنطلي على البسطاء، مثل القول في إعلان طلب التبرع «إن لم تكن تستطيع أن تحفظ القرآن يمكن التبرع بالمال ليقوم شخص آخر بحفظه عنك ويذهب الجزاء لك»! أو «إن الدعوة إلى الله واجبة، فإن لم تستطع أن تتفرغ للدعوة تبرع ببعض المال يقوم شخص آخر بالدعوة نيابةً عنك، وبالتالي يأتيك الأجر»! وبعضهم من يزيد في سوية التسويق فيتبرع بالوعد بمضاعفة الأجر! هكذا فيض من الإعلانات المثيرة للجدل التي يتردد البعض في وضعها موضع التساؤل تجنباً للدخول كما يعتقد في جدل مع «المقدس» المفترض، وهي بالتأكيد أفكار ليست مقدسة، ولا حتى قريبة منها، وفي كثير منها احتيال صراح وتكسُّب، بدليل بعض الفضائح التي ظهرت على السطح وتناولتها الصحف، فهي ليست من العقيدة ولا من العبادة... هي في غالبها نوع من أنواع الخداع واستغلال العاطفة الدينية لدى كثيرين، إضافة إلى غفلة معرفية وتقاعس رسمي، وهدفها حصد الأموال التي لا يعرف أحد أين تذهب وفي أي مجال تُنفَق!

في بعض دعوات التبرع أنها تُجمع من أجل إنشاء دار عبادة هنا أو بئر ماء هناك، أو إدخال «عدد من الناس» في الدين! والجزاء لك!
في عصر الذكاء الصناعي وسباق الأمم نحو العلم الحديث نشهد ملايين الأطفال العرب والمسلمين في سوريا واليمن وليبيا والعراق وعدداً كبيراً من بلادنا بلا فرصة ولو بسيطة للتعليم أو حتى مدرسة... التقارير الدولية تقول لنا إن هناك عدداً هائلاً من الأطفال العرب يقرب من 22 مليون طفل وطفلة إما خارج التعليم وإما مهددون بالتسرب من التعليم إنْ وُجد! بمعنى أن هناك تفريخاً دائماً وقادماً للجهل يغذّي بالضرورة التطرف ويفوّت الفرص على أي تنمية مبتغاة، في حالة عدم الاستقرار السياسي وتفاقم الأزمات وفشل الدولة الوطنية الواقعة في شقاق بين الحداثة والجمود تفاقم المشكلة إلى حد الأزمة. أما من يحصل على التعليم فهو في الغالب يفتقر إلى النوعية لأن «جودة التعليم» مفقودة في أغلب مؤسساتنا التعليمية، لا تحتاج تلك الحقيقة إلى الكثير من الفحص، فقط اكتب «جودة التعليم في البلاد العربية» في «غوغل» وسوف يأتيك الجواب بالأرقام التي قد تصيبك بالدوار! ويقال للناس إن «جودة التعليم هي أساس بناء المجتمعات ومدماك نهضتها، ومصدٌّ واقٍ من التطرف»!
وعند عد الجامعات العربية وسويّتها العلمية، فإنه من النادر أن يكون عدد منها ملتحقاً بقائمة الأوائل في جودة التعليم الدولي، وهي في الغالب تنقسم إلى قسمين؛ إما جامعات حكومية خاضعة لبيروقراطية ثقيلة، وإما خاصة ربحية لا غير. أما المنزلة الأهم في سويّة الجامعات لا يوجد لها مثيل في فضائنا العربي، وهي الجامعات التي شهدت نهضة الغرب الحديثة... أقصد «الجامعات الأهلية غير الربحية» التي يتبرع بإنشائها أهل الخير. أهمية هذه الجامعات «البعيدة عن البيروقراطية أو الربحية» لم تعد مجال شك لدى دارسي دورها وعلاقة التعليم فيها بالتنمية. فهي تتحرر من تعقيدات الدولة، وأيضاً من ضغوط المساهمين، وتستطيع أن تُخرج للمجتمع سويّة عالية من الخريجين يصبحون قيادة مستنيرة للتنمية المستدامة وسد ثغرات العوز.
وإذا قارنّا الأمر الأول «عمل الخير» بالأمر الثاني «جودة التعليم» تبرز لنا الهوّة في فهمنا لعمل الخير وتكييفه للمستجدات المجتمعية، وهو أن كل تلك الأموال التي تُجمع وبخاصة من كبار المتبرعين لو وُجِّهت إلى «جامعات خاصة غير ربحية» ذات سويّة عالية للتعليم الحديث، لكان فيها خير عظيم للمجتمعات، لأنها سوف تخلق فرصة للمنافسة من جهة، واستقطاب أفضل الكوادر التعليمية وأكثر الطلاب موهبة من جهة أخرى، فتصبح رافعة لبقية مؤسسات التعليم الأخرى من أجل ولوج عصر الذكاء الصناعي الذي يُتحدث عنه كثيراً ولكن لا يُعمل إلا القليل على تمهيد الطريق له.
الدعوة الإسلامية الحضارية لعمل الخير قائمة على أساس منطقي وعقلي «أن كل ما يثاب عليه الإنسان في الآخرة، هو عمله في الدنيا» ولا أكثر ثواباً من باب العلم، مع التكيف بالمفهوم الحديث للعلم. لو أجمع أهل الخير في كل بلد عربي على التنادي لمساندة إنشاء جامعة أهلية نوعية غير ربحية في وطنهم مستفيدين من العاطفة الجياشة في شهر رمضان لفعل الخير لكان أفضل وأكثر ما يثابون عليه في الدنيا والآخرة، وقطع الطريق من جهة أخرى، على أولئك الذين «يشترون به ثمناً قليلاً»!
آخر الكلام:
يحتاج العقل الفقهي إلى إعادة تعريف العمل الخيري، بحيث ينظَّم في مؤسسات لها أهداف تنموية خاصة في قطاعي التعليم والصحة، وهي الأكثر احتياجاً في فضائنا العربي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العمل الخيري في زمن الذكاء الصناعي العمل الخيري في زمن الذكاء الصناعي



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 19:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 00:03 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بايدن يُكرم ميسي بأعلى وسام في أمريكا

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 13:37 2020 الأحد ,24 أيار / مايو

الفيفا يهدد الرجاء المغربي بعقوبة قاسية

GMT 12:48 2020 الثلاثاء ,19 أيار / مايو

أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 19 مايو

GMT 16:51 2020 الثلاثاء ,31 آذار/ مارس

إصابة طبيب رافق بوتين في جولة "فيروس كورونا"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon