توقيت القاهرة المحلي 13:35:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«قبل النكسة بيوم»

  مصر اليوم -

«قبل النكسة بيوم»

بقلم: محمد الرميحي

لم أكن أعرف إيمان يحيى من قبل حتى صادفتني مقابلة معه أجراها إبراهيم عيسى في برنامجه «لديّ أقوال أخرى» فتبين أنه أستاذ طب درس في الاتحاد السوفياتي، هو مؤلف رواية «قبل النكسة بيوم» وله روايات أخرى، ليس جديداً في الأدب أن يكتب الأطباء الروايات. «قبل النكسة بيوم» رواية تأخذك بطريقة سلسلة إلى أجواء في عالمين في مصر، السنوات الأولى من ستينات القرن الماضي حتى عام 1967. والسنوات الأخيرة من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، في تبادلية لقصة حب بين اثنين من منظمة الشباب؛ الشاب من طبقة متوسطة والفتاة ابنة بواب نوبي استطاعت أن تتعلم تعليماً عالياً وتنشط في منظمة الشباب!

تفشل القصة في أن تكون لها نهايات منطقية وهي الزواج، بسبب مقاومة العائلتين للزواج، في إشارة مكررة إلى فشل شعار ثورة يوليو (تموز) في «تذويب الفوارق بين الطبقات»، فغول التقاليد لا تغيّره الشعارات، يغيّره تعليم نوعي معتمد أساساً على منهج الحوار والتساؤل!

يُتهم البطل «حمزة» في وقت ما قبل النكسة بخيانة الوطن، ويتعرض للتعذيب الذي يصف الكاتب أشكاله بتفاصيل تقشعرّ لها الأبدان، من الإهانة والصعق الكهربائي إلى التعليق في السقف، ويفسر ذلك بـ«أنه انتقام رهيب من القائد لأحد أبنائه المخلصين»! والمفارقة أنه يهتف باسم الزعيم وهو تحت التعذيب، وعند الإفراج يقول له الضابط: «كنا فاكرينك حاجة... طلعت ولد هايف وهلفوت»! في إهانة تذهب بأي مبادئ قد آمن بها، ثم يهاجر بعد الإفراج عنه إلى الكويت للعمل، وقد بهرني الكاتب بتوصيف تفاصيل حياة «حمزة» في الكويت، الذي استقبلته حركة القوميين العرب فيها وهيّأت له العمل، فيذكر الأماكن وحتى أسماء «الرفاق» الكويتيين، في جهد واضح من الكاتب ودليل على استقصائه الدقيق.

يتعرف «حمزة» إلى سيدة أميركية في الكويت تُهيئ له بعد ذلك العمل في الولايات المتحدة ومن هناك يطل على أحداث يناير (كانون الثاني) 2011 وسقوط نظام حسني مبارك.

الكاتب يأخذك بين مشهدين؛ الأول الأحداث التي قادت إلى «النكسة»، والآخر الأحداث التي قادت إلى «ربيع مصر»! مع المرور على الكثير من الأسماء المعروفة في ذلك الوقت من فنانين وشعراء ومسرحيين وكتاب وسياسيين مثل لطفي الخولي وجورج حبش ومحمد كشلي وأحمد الخطيب والأبنودي وسيد حجاب وغيرهم من الأسماء المعروفة لجيلنا.

أحاسيس النقد المشوب بالسخرية من النظام الناصري تصاحبك مع أحداث الرواية، فتلاحظ ذلك الجهد المبذول من منظّري النظام للبحث في التراث عن متكأ تراثي للاشتراكية العربية، التي قال بها التنظيم الناصري في محاولة مواءمة «تلفيقية» بين أفكار الاشتراكية العالمية، وبين التراث، مروراً بقصيدة شوقي التي غنتها أم كلثوم والتي ورد فيها: «الاشتراكيون أنت إمامهم»! تلك الإشارة العميقة لفشل البوصلة لوضع قواعد حديثة لتقدم المجتمع، كما يمر بك الكاتب على الصراع في قمة الهرم الناصري بين «مراكز القوى» في ذلك النظام.

النظام الناصري - كما ترى الرواية - جاء بانقلاب عسكري، وكأي انقلاب فإنه يبقى دائماً حبيس خوفه من تكرار التجربة ضده، فيقوم بإنشاء عدد من أجهزة الرقابة على الناس، وفي كل المؤسسات، فيفقد مع الزمن دفقه الاجتماعي والسياسي وأيضاً رضا الناس، ويضيع بين دهاليز الصراعات الجانبية في الوطن وخارجه فيبقى أسير النظر خلف ظهره، يتمسك بالقشور. ينقل الكاتب في سخريةٍ مرة عن «الأهرام»، (في 3 يونيو - حزيران 67) ما يأتي، وهو قرار رسمي: «يستطيع وكلاء الوزرات ابتداءً من الغد أن يذهبوا إلى أعمالهم وهم يرتدون القميص والبنطلون بدلاً من البدلة الكاملة»!

يُمنع البطل وهو يتنزه مع حبيبته بنت البواب من الاقتراب من أحد الشوارع، وينهره الشرطي الواقف أن يبتعد، يتبين كما يقول: «دي الفيلات بتاعة هدى ومنى عبد الناصر وعلي صبري وغيرهم، بَنَتْهم شركة «المقاولون العرب»، الفيلا بثلاثة آلاف جنيه بس، عشان كده قفلوا الشارع»! إلى أن يقول: «إن فيلم (معبودة الجماهير) الذي استقطب كماً كبيراً من المشاهدين، نزع من مقدمته اسم مؤلف القصة وهو مصطفى أمين!».

صورة الاستعداد للحرب عشية حرب 67 كانت عبثية في الرواية، فيقول: «كان البلد يتأهب للحرب، ومن سذاجتي صدَّقت جديتنا للحرب: عربات اللوري تنقل جنود الاحتياط بالجلابيب والعصيّ، تصريحات الزعيم العنترية تُطرب السامعين، جيش لم ينل الفرصة ليحارب، لأن قادته انشغلوا بدوري كرة القدم!». ثم يردف توصيفاً: «ركاب الترام ينتفضون حماساً، وتكاد تلحظ أنهم يكوّرون قبضتهم من فرط الحماس، كلما تذكرت هذا المشهد بعد الهزيمة شعرت بالخديعة والتهريج الذي غرقنا فيه، ظناً بأننا سوف نحرِّر فلسطين بالأغاني والرقاصات والهتافات»!

تنقل الرواية بين مشهد ما قبل 67 ومشهد يناير «كانون الثاني» 2011 كي تُظهر «فشل حلم الجيل» في التحرر والتنمية والصعود من وهدة التخلف والاستعاضة عنها بالشعارات، والتي ما زالت كما نتابع ملازمة للعمل السياسي المتحكم فيه بشرٌ ذوو خلفية عسكرية، يعتقدون أن السياسية هي «ضبط وربط وتنفيذ أوامر» لا غير.

الرواية مشحونة بالرسائل، وهي لا تتكلم عن الماضي، ولكنها أيضاً تستنتج أن شح الحريات يقود إلى أن تختفي الصراعات من الظاهر إلى الباطن، فيفسد المجتمع ويختل، وأن مجتمعاً من دون رؤية تنموية حديثة يضيع في فضاء الشعارات، فيصدق نفسه، بخاصة في وجود أناس مستعدين للبس لباس الانتهازية للتطبيل له.

لا أعرف لماذا اختار المؤلف أحد المفاهيم المضللة في عنوان روايته «النكسة»، وهو مفهوم أُريد به التقليل من هول الحدث، مع أنه في بعض الأماكن يستخدم المفهوم الصحيح «الهزيمة». إنه تقصير في ثقافتنا السياسية ما زال كثير منه ملازماً لنا.آخر الكلام: تبدأ الهزائم في المجتمعات عندما يصبح الرقيب وتقارير المخبرين لها اليد العليا، ويتلاشى النقد الموضوعي.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«قبل النكسة بيوم» «قبل النكسة بيوم»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon