توقيت القاهرة المحلي 20:00:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حجز مكان في المستقبل

  مصر اليوم -

حجز مكان في المستقبل

بقلم - محمد الرميحي

في أي صراع كبير هناك خاسر ورابح. في المعارك الكبرى لا يتعادل الجانبان. ما يشهده العالم في الصراع الروسي - الأوكراني هي معركة كبرى بين طرفين كبيرين: روسيا الاتحادية وحلفائها من جهة، والغرب الصناعي الديمقراطي من جهة أخرى. ومفهوم الديمقراطي واسع من حيث الشكل ومن حيث الموضوع، إلا أن ما يجمع كل التجارب الديمقراطية في الحكومات غير (الملكية المباشرة) أن تعتمد (تداولاً سلمياً للسلطة) في الحكم.
المعركة الدائرة في الظاهر أن روسيا مهدَّدة في جوارها الحيوي وتريد أن تؤمِّن هذا الجوار، أو أن الحكم في أوكرانيا (نازي) معادٍ للبشرية، والكثير من الذرائع المختلفة، إلا أنه في العمق صراع بين قوى ترى أنها الأفضل في قيادة العالم وأن ذاك العالم يتوجب أن يسير سيرتها في الحكم!
هي حرب (كسر العظم) التي لا يمكن أن يتوقع أحد متى أو كيف سوف تنتهي، كلا الطرفين مصمم على تحقيق أهدافه وبعضها غامض حتى لأطراف في معسكره.
صلب ما نشاهد من صراع يبعث بغباره في كل أرجاء المعمورة. إن فكرة (الاشتراكية) التي تبناها الاتحاد السوفياتي وحتى التجربة الصينية قد ماتت بانهيار الاتحاد السوفياتي نفسه وبتحول الصين إلى ما يمكن أن يُعرف بـ(الاشتراكية الرأسمالية) وكذلك روسيا، ورغم موت الفكرة الآيديولوجية وفشل تطبيقها فإن فرعها السياسي لم يمت، ذلك الفرع اسمه (الحكم مدى الحياة) أي انتفاء (التبادل السلمي للسلطة).
غير الخبير يجادل بأن الديمقراطية بشكلها المطبّق في الغرب تحل جميع مشكلات المجتمع، وهي واحدة، وذاك تفسير غير دقيق، فالمجتمعات مثل مناطق الجغرافيا في العالم كله لها أمراضها المختلفة، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية، لذلك فإن تجلياتها مختلفة، فديمقراطية وستمنستر في بريطانيا تختلف عن الديمقراطية الجفرسونية في الولايات المتحدة وأيضاً عن نظيرتها السويدية أو الفرنسية، إلا أن المشترَك الأعظم هو (تبادل سلمي للسلطة).
في العقود الأخيرة نجد أن مفهوماً جديداً خرج إلى السطح بسب الضغوط الاقتصادية في الجانب (الديمقراطي) من العالم، يسمى (الديمقراطية غير الليبرالية) وهي التي تحصر الديمقراطية في عرق قومي وتعادي علناً الأعراق الأخرى، خصوصاً بعد زيادة الطلب على الهجرة إلى الغرب. فظهرت حكومات قومية، بل اتجهت بعض المجتمعات إلى تكرار (غير منتهٍ) لانتخاب نفس الشخص.
المعركة هي بين التبادل السلمي للسلطة وبين البقاء في المكان ما أمكن، فقد خيضت معركة فيما تُعرف بقلعة الديمقراطية وهي الولايات المتحدة، حيث قرر السيد دونالد ترمب أنه الفائز في الانتخابات وخاض صراعاً أوصل بعض المتحمسين له إلى اقتحام مبنى البرلمان في سابقة لفرض ما يمكن أن تُعرف بالديمقراطية غير الليبرالية، وقبل معركة أوكرانيا تدخلت روسيا من خلال التقنية الحديثة في الانتخابات الأميركية (الهجوم السيبراني) أو التضليل الإعلامي، كما حدث في انتخابات ألمانيا، أما في فرنسا فإن تمويل اليمين المتطرف والمعادي للأجانب والمصادق لروسيا تم من خلال بنوك روسية كما هو معروف!
إذاً المعركة التي تُدار اليوم بالنار والمدافع هي استمرار لمعركة باردة كانت دائرة في استخدام صناديق الانتخاب للانقلاب على الديمقراطية التبادلية.
سبق القول إن الاشتراكية في شكلها الاقتصادي والاجتماعي قد لفظت أنفاسها ولكنها في شكلها السياسي لا تزال قائمة تدافع بقوة عن (الحكم الشمولي الدائم) الذي يعد بالاستقرار والأمن والتنمية!
إلا أن المعضلة التي تواجه هذا النوع من التوجه أن التنمية من دون تنمية سياسية بمعناها الشامل تصبح معوقة لأنها تفرز بعد حين سمومها في الداخل الاجتماعي، على رأسه الفساد وهو صنو الحكم الشمولي، مما يجعل الشعوب في النهاية تثور ضد ذلك الوضع، كما أن التنمية الاقتصادية في حال نجاحها سوف تتطلب حكماً أن يكون هناك (إصلاح سياسي) من نوع ما.
في بعض بلدان الديمقراطية تعمقت الممارسة واستقرت ولعل ما حدث في بريطانيا في الأسابيع القليلة الأخيرة مثال واضح، فرغم أن بوريس جونسون بشكل ما (بطل وطني) أخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بأقل الأضرار، وقدم لحزبه فوزاً في الانتخابات بأغلبية غير مسبوقة، فإن أخطاءه فيما تُعرف الآن بـ(الثقة والشرف) قد خذلته في النهاية، وما حدث أنّ مَن ضرب المسمار الأخير في نعش بوريس جونسون السياسي كانوا من سياسيين آباؤهم هاجروا من القارة الهندية، كما أن المرشحين للزعامة حتى الآن بينهم أبناء مهاجرين من القارة الهندية أو أفريقيا أو عرب! وقبل سنوات وصل إلى البيت الأبيض رجل ملون من أب مسلم هو باراك أوباما.
فإلى أين يسير التاريخ؟ الافتراض الأكثر قرباً إلى المنطق أن التاريخ يسير باتجاه المشاركة في الحكم بأشكال مختلفة، كما أن نفس التاريخ يرفض أن يبقى أسيراً لحكم شمولي وشخصي يحكم فيه ذلك الشخص (مدى الحياة)، تلك القضية الأساس في معركة أوكرانيا وهي نفس القضية التي تخوض من أجلها الشعوب سواء فيما عُرفت بثورة الياسمين (المنكوبة) في تونس، أو ثورة السيريلانكيين الأخيرة في كولومبو، وما بينهما وما هو قادم. وباعتراف الاتحاد الأوروبي أن أوكرانيا ليست بلداً ديمقراطياً كما تحب أن تراها أوروبا الليبرالية، فعليها أن تقوم بعدد من الإصلاحات إن أرادت أن تكون عضواً في الاتحاد في المستقبل، وهنا يدخل معيار النسبية في المعادلة؛ بعض الديمقراطية خير من فقدانها.
لذلك يتوجب على المخطط الغربي إن أراد أن يوسّع مساحة مناصريه أن يتفهم الشروط الموضوعية في تلك المعركة، ويعترف بأن الديمقراطية لها مراحل ودرجات لا بد من السير باتجاهها.
إن كان على العرب أن يختاروا في هذا المعركة الضروس، فعليهم أن يختاروا المستقبل ويحجزوا لهم مكاناً معقولاً بالسير نحو المشاركة وإعلاء حقوق الإنسان والقضاء المبرم على الفساد... تلك أمور لا حلول وسطى فيها، أما إذا اعتقد البعض أن قطب (الشمولية) هو الأقرب له، فذلك قِصر نظر، لأن قانون (تطور الاقتصاد سوف يقود حتماً إلى تطور سياسي من نوع ما باتجاه المشاركة) قانون حتمي الوقوع...
آخر الكلام:
الحرب العظمى الأولى أفرزت (حق تقرير المصير)، والثانية أفرزت (حقوق الإنسان)، وكلتاهما أثرت بعد حين في مسيرة التاريخ. فما هو يا ترى المتوقع أن تفرزه حرب أوكرانيا؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حجز مكان في المستقبل حجز مكان في المستقبل



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon