توقيت القاهرة المحلي 16:08:40 آخر تحديث
  مصر اليوم -

روسيا والناتو في أوكرانيا... هل الحرب ضرورية؟

  مصر اليوم -

روسيا والناتو في أوكرانيا هل الحرب ضرورية

عبد الرحمن شلقم
بقلم - عبد الرحمن شلقم

حرب التصريحات الرسمية بين حلف الناتو وروسيا، دخلت سلم العد التنازلي. وزير خارجية روسيا يدق طبول لسانه منذراً، أما الرئيس بوتين فإنه يتقن لغة فيها بقايا نغمة صوت الزعيم الشيوعي العنيف الظريف خرتشوف، ولغة جسد صاغ إيقاعها بمهارة لاعب الجوكاندو. الجيوش التي تتحرك عند الحدود بين روسيا وأوكرانيا ونوعية السلاح الحديث، والمناورات الواسعة التي تشترك فيها روسيا بوتين وروسيا البيضاء، والحشد العسكري المتزايد لقوات حلف الناتو في دول أوروبا الشرقية... كل ذلك يدق أجراس المواجهة القريبة بين كتلتين، لم تهدأ نار العداوة بينهما منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
الحروب الكبيرة بين العمالقة، لها تقنية متكررة وتكاد تكون قواعد ثابتة مثل أي فن، من الموسيقى إلى الرواية والمقالة الأدبية والألعاب الرياضية المختلفة وغيرها.
الآيديولوجيا، والمجال الحيوي، والأطماع الترابية في أرض الغير، والأهم من ذلك هو، ترتيب هذه الدولة أو تلك في سلم القوة العالمي عسكرياً وسياسياً ومالياً. من يتابع تصريحات السياسيين الروس والأميركيين والأوروبيين، يضع يده على قلبه بعد نهاية كل ظهور لأحدهم عبر وسائل الإعلام المختلفة. عندما طلب الرئيس الأميركي جو بايدن من مواطنيه، مغادرة أوكرانيا فوراً، كان الانطباع هو أن الأمر لم يعد يعني طبول الحرب، بل هو العد التنازلي السريع لسماع صوت الطلقة الأولى على الحدود بين روسيا وأوكرانيا، التي تندفع قوات حلف الناتو للدفاع عنها.
هذا المشهد الذي نتابعه في مطلع عام 2022 يعيدنا إلى السنوات الأخيرة من ثلاثينات القرن الماضي قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية. كل التطورات تلك نراها اليوم على الأرض، وإن اختلفت أسماء الفاعلين وأسماء الأرض التي تجري فوقها تلك الأحداث. احتلال روسيا لجزيرة القرم الأوكرانية سنة 2014 بحجة أنها كانت تاريخياً جزءاً من أرض روسيا القيصرية، هو إعادة لما قام به هتلر من قضم منطقة السوديت من تشيكسلوفاكيا بحجة أنها جزء من أرض ألمانيا وسكانها من أصول ألمانية ويتحدثون لغة إخوتهم في بلاد الرايخ الثالث. منطقة دونباس الحدودية بين روسيا وأوكرانيا هي إعادة لقضية بولندا، حيث قرر أدولف هتلر ضم جزء منها بحجة أن الأرض والسكان جزء من ألمانيا.
سكتت دول الغرب الأوروبي عن قضم هتلر لمنطقة السوديت التشيكسلوفاكية، وفرح البريطانيون باتفاقية ميونيخ للتهدئة التي اعتقد رئيس الوزراء البريطاني تشمبرلين، أنه قد أنقذ أوروبا، وفي مقدمتها بريطانيا، من حرب كانت تدق أبواب القارة. لكن تلك الاتفاقية هي التي أغرت هتلر باجتياح بولندا، خصوصاً أنه وقّع اتفاق تفاهم مع الاتحاد السوفياتي. هل تكون شبه جزيرة القرم هي أرض السوديت، وتكون دونباس التي تقول موسكو إن سكانها وأرضها هي جزء من روسيا الاتحادية هي بولندا الحرب العالمية الثانية، التي دفعت كل من فرنسا وبريطانيا إلى إعلان الحرب على ألمانيا النازية؟
روسيا بوتين حددت منذ البداية خريطة أهدافها ومحركات مواقفها تجاه أوكرانيا، بل تجاه كل دول أوروبا الشرقية، وهي ألا يكون لحلف الناتو وجود على حدودها. المناورات الكبيرة التي تُجريها روسيا مع دولة روسيا البيضاء، هي رسالة ساخنة جداً إلى دول الناتو مضمونها أن أيدينا على الزناد ولا نهاب المواجهة. ودول الناتو من طرفها تفعل الشيء ذاته. كل ذلك يجعل الكثيرين يتساءلون؛ متى تشتعل الحرب الكونية؟
في نهاية الحرب العالمية الثانية، سأل الرئيس الأميركي روزفلت، ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا: هل كانت هذه الحرب ضرورية؟ أجابه تشرشل: لا لم تكن ضرورية، كان بالإمكان تجنبها بإيقاف هتلر مباشرة بعد استيلائه على منطقة السوديت في تشيكسلوفاكيا، ولكن تشمبرلين رئيس الوزراء البريطاني أخطأ الحساب بقبوله اتفاقية التهدئة في ميونيخ.
نظرية المؤامرة لا تغيب في الكثير من الأحداث الكبيرة والخطيرة في التاريخ. بدأ الآن الإفراج عن الكثير من الوثائق والمعلومات التي تتضمن أسرار التطورات السياسية التي أعقبت مؤتمر فرساي بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.
يكشف بعض تلك الوثائق التي نُشرت مؤخراً في روسيا، أن فرنسا وبريطانيا غضّتا النظر عن مخالفة أدولف هتلر باختراق العقوبات المفروضة على ألمانيا في اتفاقيات فرساي، خصوصاً ما يتعلق بالجانب العسكري. منذ اليوم الأول لوصوله إلى السلطة باشر هتلر في بناء قواته العسكرية بشكل متسارع، من دون أن يجد اعتراضاً من الحلفاء. هتلر في كتابه «كفاحي» وفي كل خطبه، أكد أن عدوه الأول بل الأوحد هو الشيوعية التي يجسدها الاتحاد السوفياتي.
كان ذلك هو الدافع الذي جعل البريطانيين والفرنسيين يتجاهلون قصداً بناء هتلر للجيش الألماني مخترقاً العقوبات الشاملة المفروضة على بلاده. كان الجميع ينتظر هجوم ألمانيا النازية على الاتحاد السوفياتي، لكن المفاجأة كانت احتلال هتلر لباريس قبل أن يدفع بقواته تجاه موسكو. التطورات العسكرية المتسارعة، والصدام السياسي الساخن بين روسيا ودول الناتو، توحي بأن هناك حسابات كامنة في الرؤوس، وهي أكبر وأكثر تعقيداً من تراب دونباس الأوكراني، ومن شبه جزيرة القرم وحدود تمركز قوات الناتو.
الصراع الأميركي - الصيني هو المحرك الأهم اليوم فوق رقعة الاستراتيجيات الدولية. تايوان هي الأخطر، وطريق الحرير الصينية. هل تخطط الصين فعلاً للتحرك من أجل ضم تايوان بالقوة أم ستعمل من أجل تكرار ما حدث مع هونغ كونغ بإلحاقها سلمياً بالصين الأم في صيغة، دولة واحدة بنظامين سياسيين مختلفين؟ هل الحرب بين الناتو وروسيا ضرورية، كما سأل يوماً الرئيس الأميركي روزفلت رئيس الوزراء البريطاني تشرشل؟
الجواب لا تكتبه الصواريخ والمدافع والدبابات والطائرات الحربية، إنما تخطه عقول الساسة الذين يعرفون جيداً ماذا صنعت الحروب بشعوبهم وأوطانهم على مدى التاريخ القديم والحديث.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روسيا والناتو في أوكرانيا هل الحرب ضرورية روسيا والناتو في أوكرانيا هل الحرب ضرورية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon