توقيت القاهرة المحلي 11:13:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المغرب في سن الرشد الديمقراطي

  مصر اليوم -

المغرب في سن الرشد الديمقراطي

بقلم : عبد الرحمن شلقم

الثامن من شهر سبتمبر (أيلول) لهذا العام، يوم كتب فيه الشعب المغربي على أوراق الاقتراع في الانتخابات التشريعية، عنواناً بارزاً لمرحلة جديدة من عمره السياسي. زلزال هزَّ به المواطنُ المغربي بنية الأحزاب السياسية التي تنافست في الانتخابات، وأعاد تشكيل القوى الحزبية بإرادته الفريدة. «حزب العدالة والتنمية» ذو الخلفية الإسلامية الذي قاد الحكومة على مدى سنوات عشر، دفعه الناخبون إلى قاع القاع. فبعد أن حصد الأغلبية في الانتخابات البرلمانية السابقة، وحصل على مائة وخمسة وعشرين مقعداً هوى في هذه الانتخابات إلى ثلاثة عشر مقعداً، وأصبح ترتيبه الثامن بين الأحزاب، أي في آخر القائمة. أمينه العام سعد الدين العثماني خسر مقعده في البرلمان بدائرة الرباط، وبعد الخسارة المدوية أعلن جميع أعضاء الأمانة للحزب استقالاتهم.
هناك شبه إجماع سياسي وإعلامي على أنَّ ما لحق بـ«حزب العدالة والتنمية» من هزيمة كاسحة، كان ضربةً عقابيةً ثقيلةً من الشعب المغربي للحزب الذي قاد الحكومة على مدى عقد كامل. لقد عبّر المغاربة عن رفضهم لما أقدمت عليه الحكومة من تشريع لزراعة القنب الهندي، الذي يُصنع منه الحشيش، وكذلك تغيير مناهج التعليم في المدارس وفرض اللغة الفرنسية لتدريس المواد العلمية، وذلك ما عدّه الشعب تهميشاً مقصوداً للغة العربية، وكذلك تطبيع العلاقة مع إسرائيل، أضف إلى ذلك التضييق على حرية التعبير بوضع ضوابط متشددة على المظاهرات والإضرابات.
لقد أحدث التعديل الدستوري الذي قرره الملك محمد السادس، والذي يقضي فصله السابع والأربعون، بأن يكلف الملك الحزب الحائزَ أكثر الأصوات في الانتخابات التشريعية، تشكيل الحكومة، أحدث نقلة كبيرة في الممارسة السياسية بالمغرب.
«حزب التجمع الوطني للأحرار» الذي حصل على مائة واثنين مقعد في هذه الانتخابات سيشرع في مشاورات مع الأحزاب الفائزة لتشكيل حكومة لها الأغلبية في البرلمان المكون من ثلاثمائة وخمسة وتسعين نائباً. التوقعات الأولية تشير إلى احتمال تشكيل ائتلاف من حزب الاستقلال الذي حصل على واحد وثمانين مقعداً و«حزب الأصالة والمعاصرة» الذي حصل على اثنين وثمانين مقعداً لتشكيل حكومة بقيادة حزب التجمع الوطني للأحرار. هذه الكيانات الحزبية الثلاثة قد ينضم إليها حزب آخر له مشتركات معها في برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بحيث يكون للحكومة العتيدة قوة داخل البرلمان تمكّنها من تنفيذ نقلة شاملة في الحياة المغربية. المفاجأة الكبيرة في هذه الانتخابات التي تضاف إلى سقوط «حزب العدالة والتنمية»، هي الصعود القوي لحزب «التجمع الوطني للأحرار» بزعامة رجل الأعمال عزيز أخنوش، الذي يمثل يمين الوسط الليبرالي الذي خاض حملة انتخابية واسعة تضمَّنت برنامجاً اقتصادياً عملياً وتفصيلياً يستجيب لاحتياجات وطموحات الناخبين، في حين كرر «حزب العدالة والتنمية» شعارات عامة قديمة قدم فيها نفسه على أنه يخوض معركة الحق ضد الباطل، متجاهلاً الحقائق التي تتحرَّك على أرض الواقع وأهمها الاقتراب من المشكلات التي يعانيها الشباب، وعلى رأسها البطالة، وكذلك فتح الأبواب للمرأة لولوج العمل في كل المجالات.
شهد المغرب في السنوات الأخيرة نشاطاً اقتصادياً كبيراً في القارة الأفريقية، خصوصاً في جزئه الغربي، حيث استثمر في مشروعات كبيرة ونجح في تصدير منتجاته الزراعية والصناعية، واستفاد من عودته للاتحاد الأفريقي. المغرب يقوم بتجميع نحو سبعمائة وخمسين ألف سيارة سنوياً، ويصدّر منتجاته الزراعية والصناعية إلى أوروبا وأفريقيا، ويتطلع إلى أن يصبح نمراً اقتصادياً أفريقياً رائداً وله من الإمكانيات المادية والقدرات البشرية المؤهلة وموقعه الجغرافي القريب من جنوب أوروبا، والممتد في أفريقيا بموروث ديني واجتماعي يوفر له آفاقاً واسعة تفتح له أبواباً لتصدير منتجاته. التكوين السياسي للدولة يشكذل القوة التي تمثل المحرك نحو الأهداف الوطنية. الهوية الاقتصادية للدولة تحددها قدراتها المادية، والأداة السياسية التي تدير الدولة هي القوة الفاعلة. لقد أصبحت المملكة المغربية اليوم دولة دستورية برلمانية، وتمأسست هويتها السياسية وترسخت بمعنى أنَّها بلغت سن الرشد الديمقراطي الذي تكرست به قواعد التداول على إدارة الدولة، عبر انتخابات تشريعية، وتصبح الحكومة مجلس إدارة الدولة الذي يعمل من أجل تحقيق ما يصبو إليه الناخب. لم يعد الحكم يحتكره حزب واحد أو مجموعة من الأحزاب تجلس على كرسي السلطة إلى مدى مفتوح، تستخدم من أجله قدراتها المالية وتوظف المصالح الإدارية والزبونية. نتائج الانتخابات التشريعية أكدت أن مرحلة الشعارات والآيديولوجيا، قد تهاوت وأصبح البرنامج الانتخابي الذي يتفاعل مع ما يريده الناس هو الفيصل الذي يحدد مَن يحكم على مدى السنوات الخمس القادمة.
اجتاز المغرب مراحل امتحان حقيقية في مسيرته نحو الديمقراطية، كان الملك محمد السادس هو المهندس الذي وضع الأرجام على الطريق بنصوص الدستور، وتفاعل الشعب بوعي موضوعي تجاوز الجهوية والعشائرية، وكان الشباب من الجنسين هم الأكثر حرصاً على المشاركة في هذا العرس الديمقراطي، الذي أجمع المراقبون المحليون والأجانب على نزاهته.
بلا شك فإن المملكة المغربية أكدت بلوغها سن الرشد الديمقراطي بهذه النتائج التي قال من خلالها المغاربة إن الحساب ينتظر كل من تولى إدارة شؤون البلاد ومراقبة إنجازاته وإخفاقاته ومعاقبة من يخفق في تحقيق الأهداف الوطنية، وأكدت نتائج هذه الجولة الانتخابية تهافت الشعار بكل شحناته وتوجه الناس نحو ما يُكتب على الأرض بحروف الفعل في كل المجالات، ويبقى المكسب الأكبر للشعب المغربي هو تأكيد بلوغه سن الرشد السياسي بترسيخ الديمقراطية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المغرب في سن الرشد الديمقراطي المغرب في سن الرشد الديمقراطي



GMT 03:20 2022 الأربعاء ,25 أيار / مايو

فى رئاسة الوزراء!

GMT 01:54 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

أوروبا لا تتحمّل انقلابا في فرنسا

GMT 03:11 2022 الإثنين ,21 شباط / فبراير

الدعاية سلاح طهران المكسور

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon