توقيت القاهرة المحلي 12:33:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

معمر القذافي وجوليو أندريوتي

  مصر اليوم -

معمر القذافي وجوليو أندريوتي

بقلم - عبد الرحمن شلقم

نشر ماسيموبو كاريللي ولوكا ميكيليتا، مؤخراً كتاباً بعنوان «جوليو أندريوتي ومعمر القذافي»، ضم أوراقاً من أرشيف رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق جوليو أندريوتي، السياسي الإيطالي البارز، إن لم يكن الأبرز عبر أربعة عقود ونيف. كان منذ قيام الجمهورية الإيطالية بعد الحرب العالمية الثانية، ورحيل النظام الملكي، من كبار قادة الحزب الديموقراطي المسيحي، الذي تصدر مقاليد الحكم في إيطاليا. ترأس أندريوتي خمس وزارت، وحمل ثلاثين حقيبة وزارية. كان مسيحياً متديناً، ومثقفاً وكاتباً موسوعياً. عُرف بسرعة البديهة، واشتهر بقفشاته وتعليقاته الحاضرة دائماً. تعرّض لضربات مختلفة ومتواصلة، وصلت إلى حد توجيه تهمة له بعلاقات مع عصابة المافيا الإجرامية، لكنه خرج منها بريئاً وأكثر صلابة مواصلاً تألقه وحضوره السياسي. في آخر سنواته عُيّن عضواً بمجلس الشيوخ مدى حياته. تولى وزارة الخارجية الإيطالية في مطلع ثمانينات القرن الماضي. كانت منطقة الشرق الأوسط تشهد حروباً، وتوتراً وحوادث إرهابية. أعطى أندريوتي اهتماماً كبيراً لمنطقة البحر الأبيض المتوسط، وتبنى سياسة توفيقية بين جميع الأطراف. اهتم مبكراً بالعلاقات الإيطالية - الليبية. بعد قرار مجلس قيادة الثورة الليبية، بإخراج الجالية الإيطالية من ليبيا، ارتفعت أصوات في روما تدعو إلى تعويض المبعدين الإيطاليين من ليبيا، بل طالب بعض اليمينيين الإيطاليين باتخاذ إجراءات عنيفة ضد ليبيا. زعيم الحزب الديموقراطي المسيحي الدو مورو، وجوليو أندريوتي، عارضا ذلك التوجه بشدة، وقدمت الحكومة الإيطالية مساعدات للمبعدين. تضمن الكتاب محاضر لاجتماعات بين أندريوتي والعقيد معمر القذافي، ومراسلات بينهما، واجتماعات أندريوتي مع وزراء وسفراء ليبيين بروما، واجتماعات عدة بين الرائد عبد السلام جلود الذي تولى ملف العلاقات الإيطالية - الليبية لسنوات طويلة. العلاقات الليبية - الأميركية شهدت توتراً لم يهدأ، وصلت إلى حد الصدام المسلح بين الطرفين، كان السياسي الإيطالي حاضراً في خضم ذلك الصدام السياسي والعسكري. حاول من دون كلل أن يرتق الخرق بين الطرفين، إذ كان يرى أن تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وليبيا، سيدعم الاستقرار والتعاون بمنطقة البحر الأبيض المتوسط. كنت قريباً من هذا السياسي الإيطالي وربطتنا علاقة ودية، منذ كنت سفيراً في روما وتواصلت عندما شغلت منصب وزير الخارجية بليبيا بعد ذلك. بعد وصولي بأيام قليلة دعاني إلى مسرح كاراكلا الأثري بروما ومعه ابنته ومعي زوجتي. تحدث الوزير المثقف والمؤرخ أندريوتي عن كاراكلا الليبي ابن الإمبراطور الروماني العظيم ابن مدينة لبدة العظيمة، كما كانت تُسمى. كان المغني السوبرانو الإيطالي العالمي لوتشيانو بافاروتي. كانت تلك اللمسة مصافحة سياسية تاريخية، تحمل رسالة بها الكثير من المعاني المكثفة.

الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، في عقد الثمانينات من القرن الماضي، طوال مدة رئاسته، شهدت العلاقات الأميركية - الليبية، حالة غير مسبوقة من العداء وصلت إلى حد الصدام المسلح. كان الصدام الأول في خليج سرت في مارس (آذار) 1986، ووصل ذروته في الهجوم العسكري الأميركي على مدينتي طرابلس وبنغازي في أبريل (نيسان) سنة 1986، وطال الهجوم منزل القذافي بباب العزيزية. بذل أندريوتي عندما كان رئيساً للوزراء، ووزيراً للخارجية جهداً متواصلاً من أجل تقريب وجهات النظر بين الدولتين وتطبيع العلاقات بينهما. عرض الكتاب محضر اجتماع بين القذافي وأندريوتي، حيث ركز في هذا الاجتماع على العلاقات الليبية - الأميركية، والعلاقات الثنائية الإيطالية - الليبية، والقضية الفلسطينية. أكد القذافي أنه لا يمانع إقامة علاقات طبيعية بين ليبيا وأميركا، لكنه يرفض أن يكون تابعاً أو بيدقاً لأميركا. كما يورد الكتاب لقاء أندريوتي مع الرئيس ريغان، ومناقشة العلاقات الليبية - الأميركية معه، لكن ريغان كان متحاملاً على القذافي بشدة. وحين قدم أندريوتي لريغان نسخة من كتاب القذافي الأخضر باللغة الإنجليزية، رفض ريغان استلام الكتاب، وقال ساخراً: حتى هتلر ألف كتاباً. كان الأميركيون يرون أندريوتي موالياً لليبيا ويدافع عنها، ومتعاطفاً مع العرب.

حاول أندريوتي من دون كلل، أن يفتح باباً للحوار بين الطرفين؛ منعاً لوقوع صدام بينهما يؤدي إلى توتر واضطراب في منطقة البحر الأبيض المتوسط، لكن جهوده لم تنجح. في الخامس من أبريل سنة 1986 حدث انفجار في ملهى لابيل ببرلين، وأصيب فيه عدد من الجنود الأميركيين، ووجهت أميركيا الاتهام بسرعة إلى ليبيا. زارني بمقر إقامتي بروما السفير الأميركي لدى الفاتيكان ولسون، وكانت تربطه علاقة شخصية قوية بالرئيس ريغان. كانت زيارته بترتيب من وزير الخارجية الإيطالية أندريوتي. ناقشنا إمكانية عقد اجتماع لوزيري خارجة ليبيا وأميركا، من أجل تقريب وجهات النظر بين البلدين. لم يتحقق ذلك، ثم بدأت أميركا تعد للهجوم الجوي على طرابلس وبنغازي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معمر القذافي وجوليو أندريوتي معمر القذافي وجوليو أندريوتي



GMT 09:09 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 09:05 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 09:04 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 09:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 09:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 09:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 08:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 08:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon