توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هنا المقاهى فأين الرفاق؟

  مصر اليوم -

هنا المقاهى فأين الرفاق

بقلم - خولة مطر

تمر بالمقاهى كثيرا، ربما باحثا عن أولئك الذين قال عنهم محمود درويش أن تعيد المقاهى ولكن هل تستطيع أن تعيد الرفاق.. كانوا يقولون إن فى كل مدينة مقبرة ولم يقولوا إن فى كل مدينة مقهى أيضا، وهو الذى كان الفضاء الذى يجتمع فيه الشعراء والأدباء والسياسيون والناشطون وكل المعنيين بالشأن العام والنائمون فى بحور من القلق على مستقبل وطن كان أو أمة فتتتها النزاعات والمصالح الضيقة والخيانات المتكررة ليس للوطن فحسب بل حتى للتاريخ والدين وكل المنطق …

***

كلما حللت بمدينة عدت لتبحث عن ذاك المقهى وكأنك تنبش فى كراسة الذكريات ربما محاولا أن تبقى ذاكرتك حية وأنت تعلم كم من الأصحاب والرفاق قد سقطوا ضحية الـ«ألزهايمر» وأمراض فقدان الذاكرة أو ربما بحثا عن مساحة من الجمال كانت وبعض الأمل فى سماوات الظلمات الحاضرة والقادمة…

***

بتلك المدينة العريقة وأنت فى ساعات الجرى الصباحية بين اجتماع وآخر، تتوقف عند ذاك المقهى وتبحث عن الوجوه المتعبة من عبق الأيام أو زحمتها.. لا يحزنك أن وجوها جديدة قد احتلت تلك الكراسى المرتصة ولا أن «الشيشة» غزت هذه المقاهى العريقة أكثر وأكثر ولا أن البعض قد رحل سريعا فترك خلفه كرسى مع بعض قصاصات كتب وكثير من الأحاديث والنكت.. ما يحزنك حقا أن بعض أو كثير من تلك المقاهى قد تحول إلى عدم أو مسخ مقهى أو حتى هدم لمحو آخر ما تبقى من الذاكرة وفى مدن أخرى طاردت البنوك والشركات المقاهى العريقة فاستولت عليها وحولتها إلى مجرد مقر جديد أو مساحة لتداول الأوراق النقدية أليست هى الأهم الآن من أى جهد ثقافى أو حضارى فى أى بلد عربى؟؟؟؟؟

***

شوهت المقاهى أو سقطت فى بحر ثقافة الاستهلاك المادية البحتة.. يقول ذاك الصحفى المحبط «كلما أغلق مقهى فتح مطعم للوجبات السريعة وهو الأكثر ربحية لأصحابه كلهم يبحثون عن الربح السريع.. بل ربما كلنا..» يسكت قليلا ويأخذ رشفة من كوب شايه منزوع السكر ذى المذاق الغريب ويحمل بعض كتبه ويرحل بعيدا ربما فى بحر اكتئابه أو ربما حتى يبقى بعض الصور الجميلة نابضة فى الذاكرة المتهالكة..

***

بين هذا وذاك يبقى الأصدقاء أو ما تبقى منهم يحملون أوراقهم ويرتحلون بين مقهى ومقهى آخر فلم تعد المقاهى تحب الجالسين طويلا بل تحب «الزبائن» الخفيفى الظل الذين يصرفون أكثر ويجلسون أقل.. ثقافة جديدة على ثقافة المقاهى الكلاسيكية التى هى فى مجملها الجلوس مطولا وتأمل المارة والبحث عن قادمين جدد للبدء فى حوار يتنوع بين السياسة والثقافة والفن وكثير من الموسيقى والجمال الإنسانى النادر..

***

فى الأيام الصعبة يبحث الصديق عن آخر حقيقى، هو ذاك الذى قيل دوما إنه مرآة الآخر الذى يعكس صديقه دون كذب أو نفاق وهو القادر على فهم ما يدور بذهن صديقه أو بقلبه وهو الذى يجمع ما تبقى من الأصدقاء لمساعدة ذاك الرفيق الذى يمر بظرف طارئ صعب وهو الباقى الذى يرافق صديقه كالظل حتى ولو كان من بعيد فالظل لا يترك صاحبه وقت الشدة والظل لا ينكر صديقه لأى سبب كان..

***

سيقولون لك إن الصداقات قد شحت كثيرا وأن الرفاق لن يعودوا، ولن يعود من يعوضهم، ويرشدوك إلى دليل المسكين فى زمن السكين !!! ويكثرون من العبارات حول سذاجة تلك المرحلة وذاك الجيل وأن المصالح هى التى تحكم العلاقات بل سيسعون لإقناعك بأنه حتى فى ذاك الزمن الجميل لمقاهى الرفقة الطيبة كانت المصلحة هى من تجمع الرفاق.. صعب أن يصدق أو أن يقبل المرء أن فى زمن التمزق رحلت الصداقات ولم يبق لك سوى القبيلة والطائفة لرفقة الزمن المتبقى.. صعب أن تصدق أن الاختلاف فى الرأى السائد قد عمق الشرخ ورحل كل إلى سربه يغرد مع باقى الغربان وليس الطيور بغنائها الشجى.. صعب أن تصدق أنه عندما وقعت لم تجد اليد التى تمتد نحوك ترفعك من الأرض فتعود لوقفتك الشامخة.. صعب أن تتصدع العلاقات إلى درجة تصبح هى والمقاهى مواد لحنين دائم.. صعب وصعب أن تبكى غزيرا فى مساءات عربية شديدة الظلمة فلا صدى إلا لنحيبك وأنغام موسيقى ذاك الزمن الجميل عندما كان الصديق يدرك تعبك من نبرة صوتك عبر الهاتف فيرحل مسافات ليكون هنا معك…

***

رحلت المقاهى ورحل الرفاق فلم يبقى لك إلا أن تقبض على صور الذاكرة الجميلة حتى لا تفقد الأمل بأن زمنا آخر أجمل قادم كما قال ناظم حكمت وكررها مرارا حتى صدقته أو حاولت…

 

نقلا الشروق القاهريه

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هنا المقاهى فأين الرفاق هنا المقاهى فأين الرفاق



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon