بقلم - إقبال بركة
عقب الاحتفال بعيد الفطر هذا العام، آمال كبيرة تحدونا وروح تفاؤل ترفرف حولنا. نحن مقبلون على حقبة جديدة فى تاريخ مصر. مرحلة الحصاد. مرحلة نظيفة من الخونة، سواء من كانوا مندسين بيننا، أو من عششوا فى جحور سيناء الحبيبة.
هدية العيد التى نرجوها من الرئيس عبدالفتاح السيسى هذا العام هى إعلان الحرب على الصحراء وغزو المساحات الخالية من أرض مصر بالخضرة والعمران. نحن نتزاحم فيما يقرب من 8% من مساحة مصر فقط، تاركين 92% من إجمالى مساحة بلادنا ينعى الإهمال والفقر والخلاء الرحيب!! وطبيعى أن نعانى من الاختناق والفوضى والضوضاء وكل ما يعوقنا عن التمتع بالحياة. لا حل سوى أن نغزو أرضنا، ونعمرها ونجعل منها جنة للناظرين، ففيها كل الموارد الطبيعية، ولدينا ثروة بشرية هائلة، فماذا ننتظر؟!
لقد فعلتها أمريكا من قبل، وغزت كاليفورنيا، التى يصفونها بالولاية الذهبية، وهى ثالثة ولاية أمريكية من حيث المساحة، وقد أحدث تعميرها نقطة تحول هائلة فى تاريخ أمريكا.
وأكاد أقول إنه لولا كاليفورنيا ما حققت أمريكا تفوقها وسيادتها على العالم. كاليفورنيا وش السعد على أمريكا، هى اليوم واحدة من أغنى المناطق وأكثرها تنوعا فى العالم، ومركز للعديد من الأنشطة الاقتصادية المهمة، فإلى جانب «هوليوود» مدينة السينما العالمية، هناك وادى السليكون الذى يضم الفضائيات والكمبيوتر والتكنولوجيا العالية، وتمثل الزراعة قطاعا مهما فى اقتصاد كاليفورنيا، بالإضافة إلى مناطق إنتاج النبيذ والمزارع الشاسعة فى الوادى الأوسط، مع الاهتمام بصناعة المنتجات الزراعية.
استولت أمريكا على كاليفورنيا بعد أن انتصرت فى حربها ضد المكسيك، وضمتها إلى الاتحاد لتصبح الولاية الحادية والثلاثين فى 9 سبتمبر 1850. وبعد عامين من انضمام كاليفورنيا إلى الولايات المتحدة تم اكتشاف الذهب فيها، وسرعان ما انتشر الخبر فى كل العالم، وتدفقت أعداد كبيرة من كل الجنسيات إلى «الأرض الموعودة» أو الولاية الذهبية، وتم استخراج كميات ضخمة من الذهب من مناجم كاليفورنيا، وارتفع عدد سكان كاليفورنيا إلى أكثر من 200.000 فى سنة 1852.
لقد أصبحت تلك الحقبة موردا مهما للسينما الأمريكية التى سجلت عشرات القصص للأمريكيين الذين سارعوا للهجرة إلى الولاية الجديدة، والصعاب الجمة التى واجهتهم، وجهودهم المضنية لتعميرها وزراعة أراضيها والبحث عن الذهب فى مياهها ومناجمها. تاريخ تلك الحقبة أصبح معروفا من خلال «أفلام الغرب» بكل ما فيها من إثارة وعنف وصراع بين رعاة البقر الأوروبيين والهنود الحمر، السكان الأصليين للبلاد، وخلدت أسماء ممثلين مشهورين مثل «جون واين» و«غارى كوبر» و«كلينت إيستوود» الذين جسدوا الصورة الذهنية لرعاة البقر فى الغرب الأمريكى. ورغم الصراع العنيف بين المهاجرين تكللت جهودهم بالنجاح، وحققوا ازدهارا اقتصاديا حوّل مدينة سان فرانسيسكو (ثانى مدينة فى كاليفورنيا) إلى مدينة شهيرة عالميا. ثم لحقت بها فى أوائل القرن العشرين مدينة لوس أنجلوس، ثانى أكبر مدينة فى الولايات المتحدة، التى أصبحت مركزا لصناعة الترفيه الأمريكية. وقد شجع مناخ كاليفورنيا المعتدل الذى يشبه المناخ المصرى (البارد الممطر فى الشتاء والجاف فى الصيف) أعدادا هائلة من السياح من كل العالم لزيارة مدنها.
ألا يمكن أن يحدث لنا ما يشبه ذلك بعد غزو أراضينا الصحراوية وتعميرها واستخراج كنوزها المدفونة فى واحاتها ومياهها الجوفية وجبالها ووديانها ومساحاتها الشاسعة، ولدينا خبراء عالميون فى التعدين والبترول والسياحة؟! إن تعمير صحراوات مصر سوف يجذب المشروعات الاستثمارية بها، ويعيد التوزيع الجغرافى للسكان. لقد اعتاد المسؤولون فى مصر على الشكوى من الزيادة البشرية، وجعلوها الشماعة التى علقوا عليها إخفاقهم فى تحقيق التنمية الشاملة ورفع مستوى المعيشة للشعب، ولكن الزيادة البشرية ليست معضلة، بل يمكن الاستفادة منها إذا ما عمرنا المساحات المفقودة من أرض مصر. لقد ارتفع تعداد الولايات المتحدة عام 1900 من 76 مليون نسمة إلى 282 مليون نسمة عام 2000 وسيصل عام 2050 إلى 420 مليونا! وتخيلوا معى مصر بعد أن تفتح كل أبوابها، فى سيناء وفى الصحراء الشرقية والغربية، وينتشر أبناؤها فى كل شبر من أرضها المتسعة ليعمروها ويحققوا فيها أحلامهم، ويمهدوها لاستقبال الأجيال القادمة.
إن الرئيس السيسى فى فترة حكمه الثانية، بقراراته الشجاعة وحرصه الشديد على تنمية مصر وحل كل مشاكلها التى تراكمت عبر عهود كثيرة عانينا فيها من تسويف وتردد الحكومات المتعاقبة- يمكن أن يصدر القرار التاريخى بتعمير صحراوات مصر لتصبح المشروع القومى الذى يحملنا إلى المستقبل فوق صاروخ التنمية.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع