بقلم - إقبال بركة
تحل اليوم، الأربعاء 11 يوليو، ذكرى ميلاد الإمام الكبير محمد عبده (1849م-1905م). فما الذى استفدناه من تراث هذا المصلح الكبير؟ الواقع أننا لم نستفد كثيرا، فقد نسينا أفكاره المضيئة وفتاواه العصرية، ورحنا نلهث وراء ابن تيمية وابن حنبل ومحمد بن عبدالوهاب وغيرهم، بل راح بعضنا يستنسخ أفكار الخوارج وأساليبهم الدموية وعداءهم لكل ما هو صحيح ومضىء فى الدين الإسلامى.
ونحن اليوم نتحدث عن ثورة فى المناهج وتجديد شامل للتعليم هل تذكرت وزارة التربية والتعليم الإمام الأكبر؟ واستعدت طنطا، مسقط رأسه، لهذه الذكرى، وكيف ستحتفل مصر كلها على مدى العام القادم بالذكرى 170 لميلاده؟
إنها فرصة لنستعيد ونتذكر فتاوى هذا المفكر الإصلاحى الذى ترك بصمات لا تمحى على الفقه الدينى وعلى الفكر الاجتماعى معا، بعد أن خيمت سحابة التشدد على حياتنا طويلا ووصلت الى الأزهر الشريف، وانظر صور علمائه وزوجاتهم فى الخمسينات والأربعينات، التى تتداولها مواقع الشبكة العنقودية، لتعجب للتغيير الكبير الذى أصابنا.
وأذكر أنى دعيت عام 2005 لحضور احتفاليتين بالإمام محمد عبده أقامتهما كل من الجمعية الخيرية الإسلامية والمجلس الأعلى للثقافة بمناسبة مرور مائة عام على وفاة الإمام الأكبر، وقد أجمع المتحدثون فى الاحتفاليتين على أن الشيخ محمد عبده واحد من أعظم رجال مصر فى العصر الحديث، وأنه أول من حارب الشعوذة والتخلف ودعا فى كتاباته إلى التجديد والإصلاح ونشر العدالة والتسامح الدينى.
فكما قال الدكتور محمود حمدى زقزوق «لم يكن الشيخ محمد عبده مجرد مصلح دينى حفزته الأوضاع المتردية التى طغت على الدين الحقيقى إلى الكشف عنها، ومحاولة إزالة الغبار الذى تراكم على المفاهيم الدينية الصحيحة على مدى قرون التخلف والانحطاط الفكرى والتراجع الحضارى.. ولكن محمد عبده كان بالإضافة إلى ذلك– علما من أعلام الفكر بالمعنى الواسع لهذا المصطلح، وكان على يقين من أن قضية إصلاح الفكر الدينى لا تنفصل عن قضية إصلاح الفكر بصفة عامة، فكلاهما يؤثر فى الآخر إيجابا وسلبا. وقد أخذ الشيخ محمد عبده على عاتقه مهمة الإصلاح بالمعنى الشامل».
هذه الحقيقة بالذات هى التى تضع الشيخ محمد عبده فى مكانة مميزة من تاريخ الفقه الإسلامى، ذلك أنه لم يفعل مثل أغلب فقهاء عصره الذين ينقلون حرفيا عن فقهاء الماضى، ويعتبرون أى تغيير عما أصدره القدماء من فتاوى بمثابة كفر وخروج عن الملة!.
وقد أدرك الإمام أهمية التعليم وقام، بعد أن تولى فى عام 1892م رئاسة الجمعية الخيرية الإسلامية بإنشاء عدة مدارس أهلية لتعليم أبناء العائلات «المستورة»، فى القاهرة والإسكندرية وأسيوط وطنطا. وأذكر أن الدكتور محمد شوقى الفنجرى رئيس الجمعية، رحمه الله، أعلن فى تلك الاحتفالية أن فضيلة الأستاذ الدكتور على جمعة المفتى فى ذلك الوقت قد تفضل بإعادة تجميع فتاوى الإمام محمد عبده مع تلخيصها وتبويبها وفهرستها، وعهد فضيلته إلى الجمعية الخيرية الإسلامية بطبعها وتوزيعها بالمجان. فهل تمت إضافتها للمقرر على شباب الدعاة والفقهاء فى الأزهر؟! هل قرأها الكتاب المهمومون بقضية الإصلاح الدينى واستخلصوا منها فقها منعتقا من أسر التفسيرات العتيقة التى أغرقنا بها المتشددون ليمنعونا من مسايرة التطور الهائل فى حياة البشر، كى ينقذوا المرأة المسلمة من التخلف الفكرى لجماعات بوكو حرام والقاعدة والطالبان التى تزعم تطبيقها الإسلام الصحيح. لقد أساءت تلك الجماعات المستحدثة من فكر الخوارج إلى الإسلام كما لم يسئ إليه ألد أعدائه. ولو كان الإمام محمد عبده حيا لانتفض غاضبا وأثبت بالقرآن والسنة الصحيحة أن الإسلام لم يشأ أبدا للمرأة أن تظل جارية أو محظية أو فى أفضل الحالات إحدى زوجات الرجل اللاتى عليهن خدمته وطاعته فى مقابل حمايتهن وإعالتهن. يكفى أن نتذكر أن الإمام محمد عبده كانت لديه الشجاعة الكافية لأن يعلن أن تعدد الزوجات لابد أن يقيد، وأن الحاكم يجوز له أن يمنعه إذا ما رأى فى انتشاره ضررا لأمة المسلمين. وقال إن القوامة ليست لكل الرجال على كل النساء، وإنما هى فى نطاق الأسرة للرجل على من ينفق عليهن من النساء، ونادى بتقييد حق الرجل فى الطلاق، وبوجوب التحكيم بين الزوجين المتخاصمين. ومن كلماته المضيئة: «واعلموا أن الرجال الذين يحاولون بظلم النساء أن يكونوا سادة فى بيوتهم إنما يلدون عبيدا لغيرهم».
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع