توقيت القاهرة المحلي 20:21:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الدولة المدنية والتركيز على البرامجية في العالم العربي

  مصر اليوم -

الدولة المدنية والتركيز على البرامجية في العالم العربي

بقلم - مروان المعشر

حالة جديدة بدأت بالتشكل في أنحاء عديدة من العالم العربي، وهي بروز تيارات واحزاب تنادي بالدولة المدنية وتركز على البرامجية في العمل بعيداً عن الأحزاب الآيديولوجية التقليدية، الدينية منها والمدنية.
في الأردن برز حزب جديد ينادي بالدولة المدنية وسيادة القانون وتوازن السلطات والمواطنة المتساوية والبرامج الاقتصادية والاجتماعية التي تحاكي حاجات المواطنين. وقد تمكن هذا الحزب الناشئ من استقطاب جزء لا يستهان به من الجيل الجديد لأنه يركز على الأفكار وليس الأشخاص، وذلك بالرغم من المعارضة التي يلقاها من بعض أجزاء السلطة التنفيذية وممن يعتقدون أن المدنية ضد الدين بالرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أول من أرسى قواعد الدولة المدنية في المدينة المنورة. وقد أطلق هذا الحزب على نفسه اسم «التحالف المدني» باعتبار أنه يضم العديد من التيارات والأحزاب التي يغلب عليها الطابع الديمقراطي الاجتماعي.
في لبنان برز أيضاً، ومن دون تنسيق، تحالف مدني ينوي المنافسة على الانتخابات القادمة بعيداً عن الاصطفافات الطائفية وأحزاب الزعامة الواحدة التي ميزت العمل السياسي في البلاد. ويضم هذا التحالف الذي أطلق على نفسه اسم «وطني» ثلاث عشرة مجموعة أغلبها من الحراك المدني الدائر هناك من مثل «طلعت ريحتكن» وأفراد من «بيروت مدينتي» و«بدنا نحاسب» وغيرها تنادي بدولة مدنية ديمقراطية تماماً كما يدعو لذلك التحالف المدني في الاْردن.
في العراق، تم تأسيس التحالف المدني الديمقراطي لخوض انتخابات عام 2014، وذلك من قبل تيارات وأحزاب متعددة نجحت في الحصول على ثلاثة مقاعد في البرلمان العراقي من محافظة بغداد. ويدعو الحزب إلى دولة مدنية ديمقراطية بعيداً عن المحاصصات الطائفية المعمول بها في العراق.
ليست هذه هي الأمثلة الوحيدة، ولكنها تؤشر جميعاً إلى حالة سياسية جديدة تتشكل في أجزاء عدة من العالم العربي، وهي تطلع الجيل الجديد لكسر حاجز احتكار المشهد السياسي في المنطقة من القوتين الرئيستين الحاليتين: إما قوى تحكم بشكل سلطوي ولا تريد المشاركة في السلطة، أو أحزاب دينية لم تنجح أيضاً في إقناع المواطنين بإيمانها بالتعددية بكافة وجوهها وقدرتها على حل التحديات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة.
بطبيعة الحال، لن يكون من السهل كسر هذا الاحتكار في وقت قريب، ولكن المؤشرات الأولية تشير إلى أن ما يحصل ليس حالة طارئة أو عرضية. هناك اقتناع لدى قطاع واسع من الجيل الجديد بأن بعض القوى التقليدية في العالم العربي فشلت في إحداث التنمية المستدامة، وأن الوضع لم يعد يحتمل الخمول والقبول بما قبل به آباء وأمهات هذا الجيل.
لا يزال هناك لغط كثير حول مفهوم الدولة المدنية، بعضه نابع من عدم الفهم الصحيح لأسس هذه الدولة، والبعض الآخر محاولة مقصودة لتصوير من ينادي بالدولة المدنية وكأنه يحاول طمس هوية الأمة، لذلك من المفيد التمعن في بعض القضايا التي يتمحور حولها هذا النقاش.
أولاً: نقيض الدولة المدنية ليست الدولة الدينية، بل الدولة السلطوية، التي تستأثر بالسلطة والفكر وتتغول على السلطات الأخرى وتطبق القانون بشكل انتقائي. الدولة المدنية ليست عدوة الدين، بل عدوة السلطوية. لم ينادِ المسلمون بدولة دينية منذ نزول الدعوة، والدولة الدينية الوحيدة في الإسلام جاءت مع بدعة ولاية الفقيه في إيران التي لا تعترف بها الأغلبية الساحقة من المسلمين، شيعة وسنة. لا يمكن لدولة مدنية تحترم حرية المعتقد والفكر والدين أن تكون ضد الدين لأن ذلك ينافي أحد أهم أسسها. حرية الاعتقاد مكفولة في الدولة المدنية التي تقف نفس المسافة من كافة الناس. هذا يختلف طبعاً عن غرض البعض فرض تفسيرهم للدين، حسب فهمهم هم له، على كافة الناس بالإكراه، فالدولة المدنية في هذه الحالة لا تسمح بذلك وإلا تحولت لدولة سلطوية.
ثانياً: لا يجوز الحديث عن الدولة المدنية من دون إقرانها بالدولة الديمقراطية أيضاً، فالصفتان متلازمتان. الدولة المدنية من دون الديمقراطية تعني الاستئثار بالسلطة من قبل فصيل واحد، والدولة الديمقراطية من دون المدنية تعني الاستئثار بالسلطة من قبل فصيل آخر. الدولة المدنية الديمقراطية تعني سيادة القانون واحترام الحريات وتداول السلطة والاحتفاء بالتعددية الإثنية والدينية والفكرية والجندرية للمجتمع، وهي التي من المفترض أن تعمل من أجلها هذه الأحزاب الناشئة.
ثالثاً: لا تعارض على الإطلاق بين الدولة المدنية والإسلام. لو كان هناك تعارض لما استطاع التونسيون والتونسيات الاتفاق على عقد اجتماعي جديد من خلال دستور يضمن حقوق كافة مكونات المجتمع، الإسلامية والعلمانية والليبرالية والمحافظة، إدراكاً منهم أن لا مجال لإلغاء أحد، وأن التعددية تحت مظلة الدستور هي الضمان للانطلاق نحو مستقبل أفضل. ولو كان هناك تعارض بين الدولة المدنية والإسلام، لما تعايش العلمانيون والإسلاميون في وفاق في دول كالمغرب وماليزيا وإندونيسيا وغيرها.
ما سيكون سر نجاح هذه الحالة المتكونة؟ إن أسباب فشل معظم الأحزاب الناشئة في العالم باتت واضحة، تجمعها صفات مشتركة؛ فهي مرتكزة حول شخص أو قلة، ولا توجد لديها قدرة تنظيمية فاعلة، أو قاعدة شعبية واضحة، أو برامج اقتصادية واجتماعية تستطيع محاكاة حاجات الناس، أو قدرة تمويلية مستدامة. إذن والحالة كذلك، فإن أسباب نجاح هذه الأحزاب الناشئة ستكون العكس تماماً: قدرتها على التركيز على الفكر لا الشخص، والقاعدة الشعبية قبل الانتخابات، والبرامجية قبل الآيديولوجيا، والقدرة التمويلية.
من الأكيد أن القوى التقليدية في العالم العربي ستقاوم هذه الحالة الناشئة. في بيروت اجتمع الأضداد من القوى التقليدية ضد لائحة «بيروت مدينتي» في الانتخابات البلدية الماضية وبرغم شُح الموارد وقصر المدة، استطاعت هذه الحركة حصد عشرات الآلاف من الأصوات. في الاْردن كذلك، وبرغم منع التحالف المدني من إقامة حفل إشهاره في البداية، حضر حفل الإشهار بعد أن سمحت السلطات به أكثر من ألف شخص فاضت بهم القاعة إلى قاعة أخرى خارجية، إضافة إلى ثمانية آلاف آخرين حضروا الحفل على الإنترنت ولمدة ثلاث ساعات متواصلة.
هناك حالة جيدة تتشكل في المنطقة؛ حالة بلغ بها اليأس من قوى تقليدية ما حفزها لتطوير نهج جديد يعتمد المدنية الديمقراطية إطاراً والبرامجية التي تحاول حل التحديات الاقتصادية والاجتماعية أسلوباً. فإن تجنبت هذه الحالة مزالق وأخطاء الأمس وعملت بشكل منهجي جماعي مثابر، فسيكون لها شأن عظيم في تكوين ملامح العالم العربي الجديد.

 

نقلا عن الشرق الاوسط

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدولة المدنية والتركيز على البرامجية في العالم العربي الدولة المدنية والتركيز على البرامجية في العالم العربي



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon