بقلم: حسين شبكشي
في عالم الاقتصاد، يكاد يكون منصب وزير الطاقة السعودي واحداً من أهم عشرة مناصب، لما لهذه السلعة الحيوية من أثر مهم في الاقتصاد الدولي.
لذلك، لم يكن غريباً ولا مفاجئاً التغطية الإعلامية التي حصلت لإعلان تعيين الأمير عبد العزيز بن سلمان وزيراً جديداً للطاقة في السعودية. ويأتي إلى المنصب بوصفه سادس وزير لهذه الوزارة في تاريخها المؤثر المهم. أول وزير كان عبد الله الطريقي، فترة قصيرة، ولكنه يحسب له أنه كان (مع حافظ وهبة) أول سعودي في مجلس إدارة شركة «أرامكو»، وبدأ في طريق زيادة حصة الدولة السعودية فيها، وطبعاً ساهم مع وزير النفط الفنزويلي في تأسيس منظمة الدولة المنتجة للنفط (أوبك). جاء بعده أحمد زكي يماني الذي ترك بصمات مهمة، فاستخدم خلفيته القانونية بشكل محترف لإنجاز مهمة تملك الدولة السعودية لشركة «أرامكو» بالكامل، وأدار ارتفاع الأسعار بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول)، واستخدم النفط للحد من طموح الشاه السياسي وقتها، ولكن لم يستطع قراءة التحولات الجديدة الهائلة المؤثرة من قبل أسلوب التسعير المستقبلي من المضاربين في البورصة والبنوك الاستثمارية التي عرفت باسم «futures»، وأدت إلى تدهور الأسعار بشكل خيالي.
ثم جاء بعده هشام ناظر الذي قاد مراحل التوسع في أنشطة المصافي، وعمل على استقرار السوق، وسط أجواء سياسية محمومة شهد فيها الخليج العربي حربين: الأولى بين العراق وإيران، والثانية غزو العراق للكويت، وكلاهما كان له دور في تقلبات الأسعار بخصوص النفط، وأدار وقتها هشام ناظر التحديات بجدارة.
ثم جاء بعده أول وزير نفط من قلب «أرامكو»، وطبق سياسة «أرامكو» على الوزارة، فغلبت الرؤية التقنية على المهارة السياسية المطلوبة لإدارة هذا المنصب، فكانت الأمور عنده أبيض أو أسود، بينما الواقع يؤكد أنها درجات من اللون الرمادي، وكان نتاج ذلك عدم قدرته على استيعاب البعد السياسي في مبادرة الغاز الذي لاحق السعودية بعد ذلك عبر موقف ركس تيرلسون، رئيس «إكسون» السابق، الذي جاء بعد ذلك في منصب وزير خارجية أميركا، ولم ينس موقف النعيمي من شركته خلال المبادرة، وكذلك (وهي النقطة الأهم) لم يقدر بالشكل اللائق حقيقة وواقع «النفط الصخري»، واعتقد أنها ظاهرة من الممكن القضاء عليها «سعرياً»، ولم يقدر أن وراء هذه الظاهرة تقنيات متطورة مستمرة في تخفيض تكلفتها، وعمالقة رؤوس أموال وإمبراطوريات نفطية وقوة عظمى، وأدى ذلك إلى تدهور مهول في الأسعار كان من الممكن تفاديه.
جاء بعد ذلك خالد الفالح، وهو أيضاً من قلب «أرامكو»، ويحسب له إدارة الوزارة في ظروف عصيبة، وقد طور العلاقة مع الصين والشرق الأقصى، وتمكن من تحقيق توازن سياسي مع الروس حتى يتعاونوا على تحقيق سياسة سعرية ترضي منتجي «أوبك» وخارج «أوبك». وفي وسط أجواء عالمية غير مستقرة مالياً، تمكن من قيادة إصدار سندات «أرامكو» الذي لقي قبولاً قياسياً وسط توقعات سلبية، وكذلك نجح في قيادة استحواذ «أرامكو» على 70 في المائة من سابك لخلق كيان أقوى، ولكن يبدو أن ثقافة المحافظة على «أرامكو» كما هي، وهي مسألة موجودة في ثقافة موظفي «أرامكو»، جعلته يبدو بطيئاً في تفاعل اكتتاب الشركة.
والآن يتم اختيار الأمير عبد العزيز بن سلمان، وهو من الوزارة نفسها، وليس من «أرامكو»، وهو أول أمير من أفراد الأسرة الحاكمة يتبوأ المنصب. الرجل ملم بالتحديات، فهو متمرس في المجال، قارئ نهم ومطلع على مجريات الأمور بشكل دقيق، لديه سجل مهم من الإنجازات في الوزارة، ولعل أهمها إنجازات قانونية ضد الهند، وقضايا الإغراق الخاصة بـ«سابك»، وأيضاً استحداث منهجية لتسجيل الطاقة للأدوات الكهربائية المبيعة في السعودية في سابقة مهمة. التحدي الأساسي أمامه اليوم هو الحفاظ على استقرار السوق أمام تحدي الركود الاقتصاد العالمي، وكذلك توصيل اكتتاب «أرامكو» إلى بر النجاح. السعودية لا تزال اللاعب المحوري الأول في سوق النفط، ولكن التحديات كبيرة جداً، والوزير الجديد يأتي بحماس وخبرة، عبر سنين من المساهمات والمشاركات والتمعن ستنعكس على سياسة الوزارة بشكل فوري.