بقلم: حسين شبكشي
تبقى أخبار الانتخابات الأميركية بمختلف تفاصيلها تحتل أبرز العناوين في شتى دول العالم من دون استثناء، نظراً لما لأميركا من ثقل عظيم ومؤثر، وكذلك باعتبار أن الديمقراطية الأميركية هي النموذج الأنجح والأهم عالمياً.
أيضاً يتوسع الحديث عن تطور مراحل التحقيق في مسألة عزل الرئيس الأميركي من قبل الكونغرس، وما يشمل ذلك من تداول الأدلة والوثائق، وكذلك الحصول على شهادات مهمة من شخصيات فعالة ومؤثرة كانت في صلب الحدث المعني بسبب قرار البدء في العزل، وهو استغلال منصب الرئيس للضغط على دولة أجنبية (في هذه الحالة أوكرانيا) للحصول على معلومات «تسيء» إلى منافس الرئيس الرئيسي مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن وابنه، الذي يعمل مع شركة أوكرانية، وذلك لقاء تسهيل الحصول على العون والدعم العسكري لحكومة أوكرانيا، أو الامتناع عن ذلك في حالة عدم الحصول على تلك المعلومات.
المشكلة العظمى في هذا التصرف أنه استغلال للسلطة وترجيح كفة إحدى السلطات على الأخرى في ظل نظام يجلّ ويقدس ويحترم مبدأ الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية لما فيها من حفظ على المساءلة والمحاسبة. وهناك ارتفاع ملاحظ في أعداد القانونيين الدستوريين في أميركا، الذين يعتقدون أن هذه التهمة فيها من الجدية القدر الكافي والمدعوم بالشهود والوثائق، ما يجعل إمكانية العزل مسألة جدية وواردة جداً، وبالتالي سوف يكون بالإمكان تصور سيناريو «الرئيس بنس» في إشارة إلى نائب الرئيس مايك بنس، الذي سيصبح تلقائياً رئيساً للبلاد، وليس مضموناً إذا كان سيقدم له «العفو الرئاسي» وقتها نظراً لكون ذلك سيخالف بعض المبادئ والعقائد المحافظة التي يؤمن ويدافع عنها بنس، أم لا.
الآباء المؤسسون للدستور الأميركي، خصوصاً ألكسندر هاميلتون وتوماس جيفرسون كانوا يتوقعون هذه النوعية من السيناريوهات، ولذلك كان هاميلتون حريصاً على «تحصين» الدستور ضد طغيان السلطة وطغيان الأغلبية. ولهذا فإن هذه الانتخابات الرئاسية المقبلة والدراما الحاصلة بخصوص عزل الرئيس قد تكون الأهم في التاريخ الحديث لأميركا، لأنها ستحدد اتجاه البوصلة الاجتماعي والاقتصادي، ولكن الأهم الدستوري والقانوني.
ونختم من حيث بدأنا؛ ما يحدث في أميركا لا يبقى في أميركا وحدها أبداً. متابعة ممتعة، وركزوا على التحليل القانوني بقدر تركيزكم على التحليل السياسي والاقتصادي في متابعة ما يحصل فيها.
فصل السلطات في الدستور الأميركي مسألة أساسية وقاعدة محورية لضمان المسار الديمقراطي، ومتى ما حصل أي خلل في ذلك فهو يعدّ أخطر تهديد للأمن القومي ويقتضي التعامل معه بمنتهى الجدية.